بعد وداع الشهداء، ودّع السياسيون والطامحون نيابياً والأمنيون ورجال الدين بلدة ​القاع​ المفجوعة. تبرع من تبرع منهم بمئات الآلاف من الدولارات لأهالي الشهداء والجرحى، وإكتفى بعضهم بتقديم المواقف الداعمة لصمود أهل البلدة الحدودية في أرضهم، مهما بلغت التضحيات، وذلك بعد الإعلان أمام عدسات الكاميرات عن سلسلة وعود تبدأ بعدم مغادرة القاع ما دامت مهددة، ولا تنتهي عند حدود الإستعداد للإستشهاد دفاعاً عن وجود البلدة وهويتها وأهلها.

غير أن ما تبرع به السياسيون والأمنيون والطامحون نيابياً ورجال الدين شيء، وما يريده أهالي القاع فعلاً لا قولاً، شيء آخر. نعم، ما يريده وردده القاعيون مراراً وتكراراً منذ سنوات من دون أن يلقوا آذاناً رسمية صاغية، هو قرار سياسي يعطي الأجهزة العسكرية والأمنية أمراً بإزالة النازحين السوريين من منطقة ​مشاريع القاع​، وإقفال كل المعابر غير الشرعية المنتشرة بشكل عشوائي فيها لمنع تسلل الإرهابيين عبرها من الداخل السوري وجرود منطقة القلمون المتداخلة حدودها مع جرود القاع ورأس بعلبك وعرسال. وإذا كان الحل المذكور صعب التحقيق راهناً، فلتبسط الدولة سلطتها على منطقة مشاريع القاع وذلك عبر إستحداث نقاط وثكنات ومخافر ثابتة لضبط عملية الدخول والخروج الى مخيمات النازحين، وذلك بعد جردة إسمية تثبت عبر لوائح موثقة بمستندات، من هم النازحون المقيمون في هذه المنطقة، من يغادر منهم مشاريع القاع ومتى ومن يدخل اليها.

من الآن وحتى تستفيق الدولة من غيبوبتها، والى حين أن تدرك أن مشاريع القاع هي مساحة لبنانية من ضمن ال 10452 كلم2 وبالتالي يجب التعامل معها كأي منطقة لبنانية أخرى، ولأن التجارب الرسمية غير مشجعة على هذا الصعيد بدأت ​بلدية القاع​ بإتخاذ ما يمكنها من تدابير للحد من الخطر الإرهابي الذي قد يتسلل اليها من منطقة المشاريع.

وفي هذا السياق، تكشف المعلومات عن سلسلة إجتماعات عقدها رئيس البلدية بشير مطر مع المخاتير واللجان الأمنية التي شكُلت في البلدة منذ أكثر من سنتين، وخلال هذه الإجتماعات تقرر ترحيل من هو غير قانوني من السوريين المقيمين في ​بلدة القاع​. قرارات الترحيل بدأ تنفيذ المرحلة الأولى منها داخل البلدة، وتشمل العمال السوريين والنازحين في آن. فشرطة بلدية القاع، بدأت عمليات دهم للغرف التي يقطنها سوريون، طالبة منهم إبراز أوراقهم ومستنداتهم، فمن يعمل في مؤسسة زراعية او تجارية ويكفله صاحب المؤسسة هو شرعي وعليه التصريح بشكل دوري عن بقائه أو مغادرته القاع، ومن يعمل من دون كفيل، هو غير شرعي وبالتالي عليه المغادرة. أما النازحون، فممنوعون من البقاء داخل بلدة القاع لأي سبب أو ذريعة، حتى لو أن ترحيلهم سيزعج بعض القاعيين المستفيدين من بدل إيجاراتهم. وإذا كانت المرحلة الأولى سهلة التنفيذ على إعتبار أن عدد العمال والنازحين المقيمين في بلدة القاع قليل جداً ويقدر بالمئات فقط، تتجه الأنظار حول المرحلة الثانية المتعلقة بمنطقة المشاريع، حيث ينتشر بشكل عشوائي حوالى 25000 نازح، ولن يكون من السهل على بلدية القاع بقدراتها المتواضعة، أن تقوم بترحيلهم أو نقلهم الى منطقة أخرى من دون غطاء أمني وقرار سياسي. فهل يكون من دعم وتبرع وزايد خلال اليومين الفائتين الى جانب أهالي القاع يوم التنفيذ، أم أن هؤلاء سيتركون مرةً أخرى؟