حين رأى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن هدّ مخيم نهر البارد فوق رؤوس قاطنيه بحجة محاربة الإرهاب خط أحمر، قامت قيامة رئيس تيار المستقبل ​سعد الحريري​ وفرقته. حينذاك، كان الداعمون الفعليون للإرهاب يريدون إنشاء منطقة سياحية جديدة خاصة بهم فوق أنقاض المخيم وأهله. ويومها كان الكلام عن علاقات مشبوهة لآل الحريري وأزلامهم بـ"فتح الإسلام" وغيرها يواجَه برد فعل عنيف.

أما اليوم فيبدو واضحاً الرسام الحقيقيّ للخطوط الحمر التي تحمي الإرهابيين. عملياً، يمنع تيار المستقبل والأنظمة وأجهزة الاستخبارات التي تقف خلفه الجيش من مهاجمة أو محاصرة أو قطع الخطوط الإمداد نهائياً عن الإرهابيين المقيمين في دويلة جرود عرسال. ممنوع القيام باللازم في مواجهة التكفيريين المقيمين في دويلة جرد القاع. المجموعات التكفيرية المعششة في مخيم عين الحلوة خط أحمر. المجموعات التكفيرية "اللابدة" خلف شادي المولوي وأصدقائه في طرابلس خط أحمر. حجب فضائيات التحريض من الفضاء التلفزيوني والإلكتروني اللبناني خط أحمر. المعاهد السلفية التي غزت الأطراف اللبنانية منذ أربع أو خمس سنوات على حساب مشايخ سعوديين وكويتيين وإماراتيين خط أحمر. التدقيق في طبيعة عمل بعض الجمعيات السلفية الجديدة في أحياء وقرى شمالية خط أحمر. حتى في الأحكام القضائية بحق الموقوفين في ملف عبرا وأعمال إرهابية أخرى يرسم المستقبل خطاً أحمر لا أحد يجرؤ على تجاوزه. ففي وقت تتسابق فيه أبعد الجيوش في العالم إلى "بلّ يد" طائراتها بالإرهابيين، يواصل تيار المستقبل منع الجيش اللبناني من الانضمام إلى الجيش السوري وحزب الله في محاربة الإرهاب، مستفيداً طبعاً من ليونة قائد الجيش جان قهوجي وطموحه الرئاسي. لا يكل الحريريون وحلفاؤهم أو يملون من التصويب على حزب الله الذي يأخذ على عاتقه منذ أربع سنوات حماية لبنان خلف الحدود، في ظل حؤول المستقبل من دون حماية الجيش للحدود، وفي ظل مواصلة الحريري وحلفائه استراتيجية التبرير غير المباشر للإرهابيين: مرة يحمّلون حزب الله مسؤولية استجرار الارهاب بحكم محاربته داعش ومرة يخرج رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ليقول إن القاع ليست هي المستهدفة كأن استهداف غيرها يوفر أحكاما تخفيفية للانتحاريين. ولا شك هنا أن تيار المستقبل "يأسف ويدين ويستنكر" في كل مرة إلا أنه لم يقطع بعد حبل السرة مع هذا الارهاب التكفيريّ الذي يتغذى من تحريض المستقبل وينمو على تبريراته ويكبر خلف خطوطه الأمنية الحمر. ومن كانوا يتبجحون بحبهم للحياة يشرّعون البلد علانية هذه الأيام أمام مجموعات تكفيرية تتربص به من جميع الجهات، بحثاً عن ثغر غفلت أعين حزب الله عنها. ومن يتابع تصريحات المستقبليين قبل غيرهم في يوم القاع الدامي يلاحظ استغلالهم العلني لجرائم التكفيريين من أجل تحسين موقعهم التفاوضي عبر تحميلهم الفراغ الرئاسي أو المسؤولين بنظرهم عن الفراغ الرئاسي مسؤولية الاستقرار الأمني.

ولا يقف تيار المستقبل في عقابه للبنانيين عند هذا الحد؛ يمنع سعد الحريري المس بسوكلين رغم كل فضيحة النفايات، والنتيجة الوحيدة لإعادة النظر بميزانيتها هي إيجاد موارد إضافية للمستفيدين أنفسهم، مثل المكبات الجديدة. يمنع اتخاذ الحكومة اللبنانية موقفا واضحا من العقوبات الأميركية التي تمس مباشرة بحياة ثلث الشعب اللبناني. يمنع المس بأوجيرو وشركات الإنترنت غير الشرعي مهما كانت المواقف داخل اللجان النيابية. يمنع المس بمستوصف سيصار إلى نهبه في ضوء النهار كما نهب مستشفى بيروت الحكومي يشيد في حرش بيروت المقفل منذ سنوات. وممنوع في هذا السياق تقديم أي متنفس للمواطنين يحول دون إفراغ كل ما في جيوبهم، فلا بد من إقفال "الحرش" وتحويل الحدائق العامة إلى مواقف للسيارات وإفراغ مجارير المدينة عند شاطئ البحر. ويمنع المس بمجلس الإنماء والإعمار ومقاوليه الأول والثاني والثالث والمكاتب الاستشارية المتعاونة معه مهما بلغت فضائحهم. ويمنع طبعاً الاقتراب من النفط حتى يعود الحريري إلى السلطة.

وفي ظلّ هذا كله تكمن المشكلة الرئيسية في خضوع خصوم الحريري لابتزازه وخلو جدول أعمالهم من أية خطة أو محاولة تخطيط لتجاوز فخاخه، وجلوسهم بالتالي منتظرين أن تأذن له مرجعيته بالشروع في تقاسم جديد للسلطة أو أن يقرر الإنقلاب أخيراً على أولياء أمره ويدخل من تلقاء نفسه في تسوية تتيح له العودة إلى الرياض وغيرها من عواصم الصفقات في العالم بوصفه رئيساً لحكومة لبنان.