في كل يوم تكشف التحقيقات حجم المخاطر الأمنية المحدقة بالساحة اللبنانية، لا سيما من جانب تنظيم "داعش" الإرهابي الذي يخطط لتنفيذ هجمات دموية، لا تستثني منطقة أو فئة معينة على الإطلاق، في مقابل حالة من الشلل التام على مستوى مؤسسات الدولة، بالتزامن مع إنقسام سياسي وإجتماعي وخطير.

بعد التفجيرات الإرهابية في بلدة ​القاع​ البقاعية، جاء أمس الإعلان، من جانب قيادة الجيش، عن إحباط عمليتين إرهابيتين على درجة عالية من الخطورة، كان داعش قد خطّط لتنفيذهما ويقضيان باستهداف مرفق سياحي كبير ومنطقة مكتظة بالسكان، حيث تمّ توقيف خمسة إرهابيين على رأسهم المخطّط، إعترفوا بتنفيذهم أعمال ارهابية ضد الجيش في أوقات سابقة، في حين تشير مختلف المعلومات إلى أنهما "كازينو لبنان" والضاحية الجنوبية لبيروت، لتكون الساحة اللبنانية مفتوحة على مختلف السيناريوهات، في وقت يعيش فيه العالم حالة من الهلع على كافة المستويات.

في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن مخاطر حصول إجتياح لأي منطقة لبنانية شبه مستحيلة، بالرغم من الحديث عن هذا الأمر بعد الهجمات الإنتحارية التي وقعت في القاع، لكنها تؤكد أن الخرق الأمني، من خلال حصول تفجيرات أو عمليات إغتيال لشخصيات سياسية أو دينية، وارد في أي لحظة، وتشدد على أن لا شيء يقف في وجه هكذا أعمال إلا الإجراءات الأمنية التي تقوم بها الأجهزة المختصة، والتي تستند أساساً على المراقبة والمتابعة وجمع المعلومات الدقيقة، وتعتبر أن مهمة المواطنين في هذه الحالة بالغة الأهمية، حيث أن الإبلاغ عن أي تحرك مشبوه قد يساعد في تجنيب البلاد كارثة.

وتلفت هذه المصادر إلى أن المعلومات التي يجري الكشف عنها لا يجب أن تكون صادمة، بالرغم من أن قسماً كبيراً من اللبنانيين لم يكن مقتنعاً بأن هذه الساحة مستهدفة من قبل التنظيم الإرهابي، حيث كان يسعى إلى إقناع نفسه بأنه محيد عن أي خطر، بالرغم من الهجمات التي وقعت في العديد من البلدان الغربية، وبالتالي كان عليه أن يتوقع حصول هذا الأمر في الدولة التي تقع في قلب منطقة مشتعلة، خصوصاً في ظل الأوضاع المتفلتة في سوريا والعراق.

إنطلاقاً من ذلك، تشدد المصادر نفسها على أن الهجمات التي وقعت في البلدة البقاعية، سواء كانت هي المستهدفة منها أو مجرد معبر نحو مكان آخر، لا تنفصل عن تلك التي وقعت في باريس وبروكسل وأورلاندو واسطنبول، أو في العديد من المدن السورية والعراقية والليبية، وقبل ذلك في الضاحية الجنوبية والبقاع، لا سيما أن الجهة المنفذة واحدة، أي "داعش"، وتشير إلى أن التنظيم في ظل المعركة التي تخاض ضده من قبل مجموعة كبيرة من الدول، بغض النظر عن الملاحظات عليه، بهدف القضاء على معاقله الأساسية، يسعى إلى القول أنه قادر على توسيع رقعة المعركة، لا بل قادر على ضرب أكثر الدول التي تعتبر آمنة، من خلال إمتلاكها أجهزة أمنية وعسكرية محترفة جداً.

وترى المصادر المطلعة أن الرد على هذا المخطط لا يكون من خلال البيانات والإستنكارات الإعلامية، بل المطلوب خطوات عملية قادرة على تحصين الواقع الداخلي إلى أفضل قدر ممكن في الوقت الراهن، وتوضح أن "داعش" لا ينفذ عادة أعمالاً إعتباطية، بل على العكس من ذلك يختار أهدافه بدقة بالغة للإستفادة منها لاحقاً، فهي تأتي ضمن مشروع طويل الأمد، وبالتالي لا يمكن أن يكون الهدف فقط إسقاط أكبر قدر ممكن من الخسائر البشرية أو الإقتصادية.

بالنسبة إلى هذه المصادر، الخطر الأكبر الذي قد يهدد الساحة اللبنانية ربما يكون الإنجرار إلى أي فتنة مذهبية أو طائفية، بسبب النتائج السلبية التي ستترتب عليها، بالإضافة إلى آخر متعلق بوضع اللبنانيين في مواجهة مع النازحين السوريين، ما يعني وضع البلاد على سكة المجهول الذي قد لا تحمد عقبه، وبالتالي من المفترض التصرف بمسؤولية ووعي مع كل حدث قد يقع في المستقبل، فالمعركة مع الإرهاب لن تنتهي في وقت قريب، بل ربما تصبح أصعب، ما يوجب الذهاب سريعاً نحو الخطوات العملية، التي من المفترض أن تبدأ من تفعيل المؤسسات الرسمية، ولا ترى مانعاً من تلبية الدعوات إلى إبرام تسوية سياسية بين الأفرقاء المتخاصمين قبل فوات الآوان.

في المحصلة، لبنان لم يكن يوماً خارج العاصفة التي تجتاح المنطقة منذ سنوات، لكنه ربما لم يكن أولوية على غرار بعض البلدان المجاورة، إلا أن جميع المؤشرات توحي بأن المعادلات قد تكون تبدلت، ما يحتم ضرورة الإسراع في وضع خطة المواجهة، كي لا يصل اللبنانيون إلى مرحلة لا ينفع معها الندم.