بسم الله الرحمن الرحيم، والحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى اهل بيته الطيبين الطاهرين والتابعين لهم باحسان الى قيام يوم الدين.

تعتبر الخطبة الكبيرة والمهمة التي خطبها ​النبي محمد​(ص) في التمهيد لاستقبال ​شهر رمضان​ والتي ضمنها الكثير من المعاني والاهداف السامية التي يسعى اليها الدين الاسلامي من خلال فريضة الصيام، من اهم الخطب والتي هي خريطة طريق لكل مسلم لانها تعالج الكثير من القضايا الانسانية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية.

وهذه بعض الامثلة على ذلك، قوله (ص) في هذه الخطبة "اذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه"، الجوع والعطش والامتناع عن الاكل والشرب خلال الصيام يجب ان يذكّر الصائم بيوم القيامة، يوم المثول امام المحكمة الالهية العادلة التي لا بد انها قادمة ولا مهرب عنها، وبتعبير اخر، كونوا في هذه الدنيا اخيارا ابرارا مؤمنين سلمكم مأمول وشركم مأمون لتأمنوا وتسلموا يوم القيامة.

ويستمر(ص) في خطبته، يوصي بالفقراء والمساكين ويوصي بصلة الرحم وحفظ الالسن وغض الابصار وصم الاذان عن الحرام. ويوصي كذلك بالتحنن على أيتام الناس وهذه احدى اللمسات الانسانية التي اشار اليها النبي المصطفى محمد وهي موضوع اليتيم حيث قال: "انا وكافل اليتيم كهاتين يوم القيامة (اشار بسبابته والوسطى جنبا الى جنب)". ان اليتيم الذي فقد نعمة الاهل يحتاج الى من يمسح يتمه، يوصي النبي بمحادثته وملاطفته ومساعدته بتقديم يد العون اليه.

وما اود الاشارة اليه في هذه الخطبة هو موضوع انساني اخر أشار اليه (ص) "وقروا كباركم"، حافظوا عليهم، احترموهم، اسمعوا لهم، كونوا بارين بهم، لان الكبير له حق عليك، إرع حقه فهو ادى دوره الى العلا، كائنا من كان هذا الكبير ذي الشيبة قريبا منك كان او بعيدا، كان من اهلك او من جيرانك، انحن اجلالا له ووقره، ومد يد العون اليه انها من منظومة اخلاقيات وادبيات الانسان المسلم. قال (ص): "من وقر ذا شيبة في الاسلام، أمنه الله من فزع يوم القيامة". وقال (ص): "ان من اجلال الله عز وجل، اجلال الشيخ الكبير". لقد اشار النبي (ص) والائمة (ع)من بعده الى هذه المعاني الكبيرة والجليلة وعملوا بها واوصوا اتباعهم للعمل بها، ولقد انزعج الامام علي(ع) وسخط على خازن بيت المال عندما خرج من المسجد وشاهد رجلا كبيرا يتسول امام المسجد فقال لخازن بيت المال: "ما هذا؟"، ولم يقل من هذا! "استعملتموه قويا وتركتموه عندما كبر وضعف، اذهب به الى بيت المال واعطه ما يغنيه عن التسول" وهكذا كان.

وبفضل التزام المسلمين بتطبيق شريعة سيد المسلمين يوم ذاك، وصلوا الى أعلى درجات الرقي والتقدم. ان احترام الكبير دليل على حضارة المجتمع وعرفانه الجميل. وابسط شيء يمكن ان يقال في هذا المجال، أنه لولا هذا الكبير، لم تأت انت ولا انا ولا نحن، ولولا هذا الكبير لم تعمر البلاد وتزدهر ولم يحفظ تاريخ ولا جغرافيا. وكما اسلفنا، نحن امة الاسلام، سبقنا الامم والحضارات قبل 14 قرنا بحفاظنا على الكبير واحترامه.

ان بعض الدول اليوم والتي تدين بدين غير الاسلام، يسجل لها انها تحترم الكبير وتوقره وتحافظ عليه مثل كندا في القرن 21، اما دولة الاسلام، دولة النبي الخاتم محمد(ص) فقد سبقت كندا وغيرها عندمها دعت الى هذه القيم السامية والمبادئ الانسانية العالية. يا حبذا لو اننا نحن المسلمون نعود الى مبادئنا واسلامنا وديننا الحنيف ونكرس هذا المبدأ بتعاطينا مع كبارنا لانه وبكل أسف ومرارة بدأنا نلمس ظاهرة اهمال الكبير وادارة الظهر له حتى من اقرب الناس اليه، من فلذات كبده.

حقا انها ظاهرة مرضية يجب ان تعالج ويصحح المسار ويرد الجميل لهؤلاء الكبار. وليعلم هذا الشاب الوسيم والقوي والغني الذي يدير ظهره لهذا الكبير ان صحة والشباب والقوة كانت يوما لهذا الكبير ثم تحولت اليك ولن تدوم عليك لان دوام الحال من المحال، وسيأتي يوم تتحول الى غيرك، وقد تعامل كما تتعامل مع كبيرك. لقد صدق من قال: "كما تدين تدان". لذلك ارجوك عليك بأبيك، بكبيرك، أنه أصلك وتاريخك، فكن بارا به ولا تكن عاقا.

ايها الشاب اليافع، هكذا نتعلم من الرسول(ص) ومن شريعته السمحاء كيفية توقير الكبير ونحن في شهر الصيام في هذه الدورة التثقيفية والتعبوية والتي تستغرق شهرا كاملا نغرف من معين هذا الشهر زادا لباقي ايام السنة، احترم ووقر وساعد وتعاون مع هذا الكبير ايا كان واياك ان تتكبر وتدير ظهرك وكما قال النبي (ص): "ان الشقي من حرم بركات هذا الشهر الكريم". والحمدلله رب العالمين.