لم تكد تمضي ساعات قليلة على خبر زيارة رئيس تيار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​ الى العاصمة الفرنسية، حتى تلاه خبر اكثر دلالة وهو زيارة رئيس كتلة "المستقبل" النائب ​سعد الحريري​ الى السعودية ولقاؤه الملك ​سلمان بن عبد العزيز​.

واللافت ان هذين الخبرين تزامنا مع تحركات على الساحة المحلية لم تكن في الحسبان، وكلها تدل على ان الطبخة الرئاسية وضعت على النار ويبقى معرفة مدى قوة هذه النار وملاءمتها لهذه الطبخة كي لا تحرقها.

منذ اسابيع والكلام ينشط عن تحرك دبلوماسي محلي واقليمي ودولي لتحريك الركود الرئاسي، وقد دخل الحريري فيه بشكل مباشر، ولكن التطورات الاخيرة اعتبرت كمؤشرات واضحة حول وضع القطار الرئاسي على السكّة، ومن ابرز هذه المؤشرات:

-الزيارة التي قام بها فرنجية الى باريس، حيث كان الكلام الرسمي عن زيارة عائلية اصطحب خلالها ابنته الى "عالم ديزني" بنسخته الفرنسية. الا ان الكلام غير الرسمي والذي وصل الى بيروت، يشير الى ان النائب فرنجية التقى في فرنسا مسؤولين في الخارجية والأهمّ انه التقى شخصية سعودية رسميّة رفيعة المستوى، وتم التطرّق الى الوضع الرئاسي في ضوء ما آلت اليه الاحداث في المنطقة عموماً وسوريا بشكل خاص.

-الزيارة المفاجئة التي قادت الحريري الى السعودية واستقباله من قبل العاهل السعودي بعد اشهر طويلة من اهمال لافت من العائلة المالكة، أدّت الى عدم استقبال رئيس تيار "المستقبل"، وتضييق الحصار المالي عليه. ولكن، دون اي مقدمات، وصل الحريري الى الرياض وجلس الى طاولة الملك سلمان، وهو أمر أثار الكثير من التساؤلات وأدى الى تعزيز فرضيّة حلحلة سعوديّة في موضوع الرئاسة اللبنانية.

-الزيارة التي أدّت الى إعادة المياه الى مجاريها بين النائب الحريري ورئيس "القوات اللبنانية" ​سمير جعجع​، والتي تخللها وفق ما تقوله مصادر مطلعة، تبادل رسائل حملها جعجع من الحريري الى رئيس تكتّل "التغيير والاصلاح" النائب العماد ميشال عون والعكس، حيث طمأن رئيس "القوات" رئيس تيار "المستقبل" على ان عودته الى رئاسة الحكومة في عهد عون لا مشكلة عليها، فيما حمّل الحريري جعجع كلاما عن استعداده المشاركة في جلسة انتخاب الرئيس دون ان يلزم المستقلّين في كتلته بأي خيار، وان الفرنسيين يعملون في سبيل حلحلة سعوديّة لانتخاب عون.

-اللقاء الذي جمع النائب ​وليد جنبلاط​ بكل من جعجع وبعده الامين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، حيث من الطبيعي ان يكون الموضوع الرئاسي حاضراً فيهما. وفي هذا السياق، تفيد المصادر نفسها ان الحزب، وعلى عكس ما يشاع، متفهّم لإمكان عودة الحريري الى رئاسة الحكومة في ظل رئاسة عون، وأن لا خوف لدى الحزب من هذه الخطوة لان الرئيس يحظى بثقتهم ولان الحريري بحاجة الى اثبات وجوده بعد تعرضه لحملات حتى من "اهل البيت".

-أمّا الخطوة الأهم والابرز، فهي تلك التي أدّت الى فك شيفرة ملف النفط بسحر ساحر، وما اعلنه وزير الخارجيّة ​جبران باسيل​ من عين التينة حول اتفاق على هذا الملفّ، وهو الذي أُلصقت به كل ذرائع الخلاف الذي أوصل الى تباعد رئيس المجلس النيابي نبيه بري وعون. فكيف تم هذا الحلّ بهذا الشكل السريع لو لم تكن هناك تسوية اكبر تلوح في الافق؟

-تطويق تداعيات الإعتداءات الإرهابيّة على القاع، والتي كشفت عن مشكلة أمنية مهمّة. اما من الناحية السياسية، فكان كلام عن ارتفاع حظوظ العماد جان قهوجي للرئاسة بسبب ما حصل، إلا أنّه، وفق المصادر، لم يكن من السهل إعادة الامور الى نقطة البداية والبدء من جديد، لان الوقت يمضي بسرعة كبيرة ويجب الانتهاء من الامور في مدّة اقصاها آخر شهر آب المقبل، بعد ان تكون طاولة الحوار قد وضعت أسس الحل في الايام المحددة لها. وبالتالي، بقي تفضيل تسويق حل عون-الحريري كونه أسرع.

ولأنّنا في لبنان، يبقى علينا ان نعيش كل يوم بيومه وننتظر ما ستؤول اليه الامور، وعلى الرغم ان المعطيات تشير الى انفراج رئاسي، يبقى الخوف من تطور او حدث او حتى موقف يعيد الخطوات الى الوراء ويطيح بجهود استمرت لاشهر واسابيع.