لا تُحبط التطورات المتسارعة، والتي توحي أكثر فأكثر بعدم امكانية فصل الملف اللبناني عن ملفات المنطقة الملتهبة العونيين الذين يعبرون عن تفاؤل متجدّد بـ"اقتراب اللقمة للتم"، باشارة الى قرب انتخاب رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية. يبني هؤلاء آمالهم على تحليلات وقراءات معمّقة كما على تطمينات حلفائهم، لكن المؤكد أنّهم لا يمتلكون أي معلومات مؤكدة أو حاسمة كما لم تصلهم أي وعود اقليمية أو حتى دولية قد تسمح لهم الافراط بالتفاؤل.

لعل هؤلاء أصلا لم يعودوا يمتلكون الا التفاؤل للمضي قدمًا بعد خسارات متتالية حققوها في أكثر من محطة، بالتوازي مع تحديات جمّة يواجهونها على صعيد الوضع الداخلي لـ"التيار الوطني الحر" الذي قد يشهد انقلابا مماثلا لذلك الذي شهدته اسطنبول في أيّ لحظة مع تعاظم النقمة الحزبية على قرارات وممارسات رئيس التيار وزير الخارجية جبران باسيل. وحدها رئاسة الجنرال كفيلة بلم الصفوف العونية المشتتة مجدّدًا... أما ما عدا ذلك فمزيد من الاحباط وكثير من التشتت.

تتحدث مصادر عونية بعد التطورات الأخيرة المتسارعة من أورلاندو الى نيس فتركيا، عن تعدد المؤشرات التي تجعل جنرال الرابية أقرب من أي وقت مضى الى الرئاسة الأولى، فكل ما يحصل برأيها يثبّت فوز المحور الذي دعمه التيار في المنطقة بالرغم من كل الانتقادات والخسارات التي طالته على مستوى الشعبية، وبالتالي يقرّب موعد رد الجميل... هذا الجميل الذي تعي قيادة حزب الله أنّها سترده عاجلا أم آجلاً، علمًا أنّها لا تبدو مستعجلة بتاتًا للوفاء به في المرحلة الحالية، مرحلة المخاض الكبير.

وبعكس ما قد يعتقد البعض، فان العونيين متفائلون ايضًا من نتائج زيارة وزير الخارجية الفرنسية جان مارك ايرولت الى بيروت، فالفشل الفرنسي باحياء طرح رئاسة رئيس تيار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​ للجمهورية مقابل تولي رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري رئاسة الحكومة، واقرار باريس بعدم قدرتها على تخطي العماد عون بفرض تسويات لا تلحظه، كلها عناصر، برأي المصادر، تقرب الرئاسة منه وتبعدها كل البعد عن أخصامه. وتضيف: "اذا كان هناك من رئاسة في المدى المنظور فستكون للعماد عون، أما حظوظ الوزير سليمان فرنجية والمرشحين الوسطيين كقائد الجيش جان قهوجي والوزير السابق جان عبيد وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة فتلاشت الى غير رجعة!"

ويحاول العونيون ومن شدة افراطهم بالتفاؤل، علما أنّهم لم يشربوا بعد كأس الانتصار ليسكروا، أن يغضوا النظر عن حجم التحولات التي تشهدها المنطقة والتي قد تكون بصدد أن تضع حدا نهائيا للدول المحيطة كما نعرفها وتلقائيا لشكل النظام الحالي في لبنان، اذا لم نتطرق لامكانية ضمّه الى احدى الدول التي قد ينتجها المشروع الدولي الجديد. هذه الرؤية العونية "المحدودة" للملف الرئاسي والتي لا تتخطى زاوية استعادة الصلاحيات المسيحية، تهدد بـ"خيبة كبيرة" للمسيحيين ككل المطالبين، وبحسب مصادر في قوى 8 آذار، وأكثر من أي وقت مضى بـ"العودة للحضن الوطني والتعاطي مع الملفات الداخلية من زاوية وطنية والا كان على لبنان بمسيحييه ومسلميه السلام".

وحتى تنجلي تفاصيل المخطط الدولي الجديد والذي بدأت تتضح معالمه الرئيسية، خاصة بعد الانقلاب العسكري الذي شهدته تركيا، قد يكون من الأجدى للبنانيين التمسك بسياسة تصريف الأعمال وتمرير المرحلة بالتي هي أحسن، طالما هناك غطاء أمني دولي يحميهم الى حد بعيد، ليس حبًا بهم، بل طمعًا بواحة تتمتع بحد أدنى من الاستقرار لاستضافة مئات ألوف الهاربين من الدول المتداعية.