بالرغم من كل التحولات الغامضة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، تبدو قوى الثامن من آذار مرتاحة إلى وضعها أكثر من قوى الرابع عشر من آذار، بالنسبة لها تجري الرياح كما تشتهي سفنها بشكل كامل، لكنها غير مستعجلة على حسم الملفات المحلية، فهي ترى أنها لا تزال على نار "خفيفة"، ما يعني أن نضوجها يحتاج إلى المزيد من الوقت، خصوصاً أن العرقلة تأتي من بعض القوى الإقليمية الراغبة في تحسين أوراق قوتها.

قبل أشهر، كانت هذه القوى تشعر بالخوف من جراء التحولات الإقليمية، لا سيما على الصعيد السوري، لكن منذ اليوم الأول لتدخل القوات الروسية بالحرب تبدّل المشهد، واليوم الوضع أفضل ممّا كان عليه بالرغم من الإمتعاض الذي كانت تبديه من أداء موسكو، لا سيما على صعيد فرض إتفاقات الهدنة في أكثر من مناسبة.

في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة في هذه القوى، عبر "النشرة"، إلى أن التحولات التي كان الفريق الآخر ينتظرها لم تأت لصالحه، وتذكر بأنها منذ اليوم الأول كانت تدعو إلى عدم إنتظار ما يحصل على مستوى المنطقة، لكنها لم تجد من يصغي من جانب قوى الرابع عشر من آذار، وتضيف: "حتى اليوم لا يزال البعض يراهن على عامل الوقت، في حين نحن نؤكد أنه لن يتغير شيء من المعادلة القائمة، لا بل على العكس ربما الإنتظار يصبّ لصالح فريقنا".

وتفضل هذه المصادر الإنطلاق من الأحداث التركية، التي تعتبر أنها لصالحها على عكس ما يتصور الفريق الآخر، فهي تلفت إلى أن أنقرة ستكون مضطرة إلى الإهتمام بأوضاعها الداخلية على نحو كامل، بغض النظر عن فشل الإنقلاب، وتشدد على أن نجاحه كان ليصب في صالح الولايات المتحدة الأميركية، بسبب العلاقات التي تجمعها مع كافة قيادات الجيش التركي، في حين أن روسيا وإيران كانتا من أبرز داعمي "الشرعية" الناتجة عن العملية الإنتخابية، وترى أن موقف كل من موسكو وطهران كان أفضل من واشنطن والرياض، خصوصاً أن الإعلام السعودي كان لديه موقف ملتبس في بداية الأحداث، أما بالنسبة إلى سوريا فهي تؤكد بأن دمشق لم يكن من الممكن أن تدعم الرئيس رجب طيب أردوغان، فهو من أبرز الداعمين لقوى المعارضة المسلحة، لكنها تشير إلى أن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم كان يبشر، منذ ما قبل الإنقلاب الفاشل، بتحولات على مستوى العلاقة مع البلدان المجاورة.

بالتزامن، لا ترى المصادر نفسها أن السعوديّة قادرة على الإستمرار بالسياسة نفسها، على المدى البعيد، فهي تدرك حجم الضغوط عليها بسبب نمو ظاهرة الجماعات المتطرفة على مستوى العالم، بالإضافة إلى أزماتها الداخلية التي لا تتوقف عند الصراع على خلافة الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز، بل تشمل أيضاً الأوضاع الإقتصادية والحرب اليمنية، وتؤكد بأن الرياض ستكون مقبلة على تحولات من العيار الثقيل خلال أشهر قليلة، ربما تكون شبيهة بالذي حصل في تركيا، أي لناحية تحريك أوضاعها الداخلية، وتضيف: "الأوضاع في السعودية ليست على خير ما يرام، ومن لا يلاحظ إرتفاع مستوى التضامن مع الخطابات المتطرفة لا يدرك حقيقة الجمر الكامن تحت الرماد".

قبل الإنتقال إلى الأحداث السورية، على المستويين السياسي والعسكري، تدعو المصادر المطلعة إلى مراقبة بوصلة الأحداث على مستوى العالم، حيث التركيز على محاربة الإرهاب الدولي، بعد أن وجدوا أن الذئاب التي عملوا على دعمها عادت إليهم، وتشدد على أن فريقها السياسي كان يحذر أيضاً من هذا التحول منذ بداية الأزمة السورية، وتشدد على أن المكافحة اليوم أصعب من السابق لكن هذا لا يعني أنها ليست الأولوية المطلقة في الغرب، وتلفت إلى أن هذا الأمر يتبين عبر الإنفتاح الأوروبي على دمشق و"حزب الله"، حيث الزيارات المتكررة إلى العاصمة السورية بهدف الإستفادة من تبادل المعلومات الأمنية، بالتزامن مع الإنجازات التي تتحقق في الميدان العسكري، خصوصاً في مدينة حلب وأريافها بعد أن كانت جماعات المعارضة تسعى إلى قلب الطاولة.

ما تقدم لا يعني "المكابرة" على المستوى الداخلي، هذا ما تؤكد عليه المصادر، لكنه في الوقت نفسه لا يعني القبول بالخسارة بأي شكل من الأشكال، بل المطلوب هو الإعتراف بالحقوق، خصوصاً على مستوى رئاسة الجمهورية، وهي تأمل أن تساهم الخلوة الحوارية التي دعا إليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري في إعادة البعض إلى رشدهم، لأن ثمن التسوية اليوم أقل من الغد، والمفتاح عبر فتح حوار من جانب تيار المستقبل" مع رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون.

في المحصلة، لا ترى قوى الثامن من آذار أن هناك ما يدعو إلى القلق على المستوى المحلي، باستثناء إحتمال حصول بعض الهجمات الإرهابية من قبل التنظيمات المتطرفة، الأمر الذي ترى أن الرد عليه يكون من خلال إسراع الفريق الآخر إلى التجاوب مع التسوية المعقولة على المستوى السياسي، بالإضافة إلى تأمين كل أشكال الدعم للمؤسسات الأمنية التي تبذل جهوداً جبارة.