لا تجد جواباً ​روسيا​ً واضحاً عند طرح السؤال عمن يقف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا. ينفي الروس سريعاً أي علاقة لهم بتدخل ما لضرب الجيش التركي-ركيزة الناتو في المنطقة، عبر كشف خطة الانقلاب وتنبيه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان قبل ساعات. بالطبع بات الأخير في موقع الحليف لروسيا، فلا علاقات دولية طيبة له مع الأوروبيين وتحكم علاقته بالأميركيين توترات ونكايات وتضارب مصالح. لم يعد لأنقره سوى موسكو التي سيزورها اردوغان مطلع آب.

حين تُحادث مسؤولا روسياً رفيعاً تفهم منه أن نفوذ بلاده يتوسع في الشرق الأوسط. يستفيض في الحديث عن سوريا، فالروس تواقون لحلول سريعة فيها لم تعد برأيهم بعيدة المنال. خصوصا بعد تفهم شعوب العالم ان معركتهم ضد الإرهاب نبيلة الأهداف. يعتبرون التحولات الدولية انها تأتي لصالحهم. ينتظرون من هو القادم الى البيت الأبيض بعد انتهاء ولاية باراك اوباما. يميلون الى المرشح دونالد ترامب لكنهم يشبّهونه برئيسهم السابق بوريس يلتسين. يخشون من تهوره، لكنه أفضل من وصول هيلاري كلينتون.

لبنان بالنسبة اليهم يرتبط بالتطورات السوريّة. يرصد زوار موسكو ذلك جيدا حين استحضار الملف اللبناني.

في الاسبوعين الماضيين جرت اجتماعات دبلوماسية في وزارة الخارجية مع سفراء روسيا في عواصم العالم تمحورت حول كل التطورات. بدت الخارجية مهتمة بلبنان لدى اجتماع سفراء الشرق الأوسط. استفهم المسؤولون من سفيرهم في لبنان ألكسندر زاسيبكين ماذا يجري تفصيلياً. هم ايّدوه بسياسة الانفتاح على كل القوى. لا مشكلة لروسيا مع اي طرف.

توجه زاسيبكين بعدها الى ضواحي موسكو حيث تنتشر الغابات الكثيفة والأنهار لقضاء شهر-اجازة الصيف الى جانب عائلته. لكنه لم يغب كليا عن متابعة التطورات اللبنانية. واللافت ان الخارجية الروسية لم تطلب منه تقصير إجازته للعودة الى لبنان قبل جلسة الثامن من اب المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية.

روسيا تؤيد المرشحين رئيس تكتّل "التغيير والاصلاح" النائب ميشال عون ورئيس تيّار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​. هي لا تُظهر أي انحياز لصالح أحدهما.

الروس تعرفوا على مزايا زعيم "المردة" من رئيس تيار "المستقبل" النائب ​سعد الحريري​ لدى زيارته الاخيرة الى الكرملين. هو اطلع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على "ايجابيات" وصول فرنجية الى رئاسة لبنان.

يقول الروس ان مطالعة الحريري حول فرنجية بدت لافتة جدا. فهو بدا متحمّساً لوصول "البيك" الى قصر بعبدا.

لم يكن بوتين سمع عن فرنجيّة سوى الاسم وانه أحد حلفاء سوريا في لبنان.

لكن التزام "حزب الله" بترشيح عون يعرفه الروس جيدا. هم يعرفون أيضاً ان "الجنرال" هو الزعيم المسيحي الاول في لبنان، وانه بات حليف دمشق بعد عودته من المنفى الفرنسي.

لذلك يصنفون أنفسهم بأنهم على مسافة وسطيّة واحدة بين المرشحين الحليفين.

ما يهم الروس كما بدا وصول رئيس لبناني ترتاح له دمشق. هم أساسا يربطون الوضع والحل بين البلدين. يستندون الى التاريخ للقول أن لا حلّ في لبنان من دون استقرار سوري، ولا استقرار في لبنان من دون رضا دمشق.

يرتاح الروس جيّدا لدور رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري. هم يعتبرون الحوار الذي رعاه اساسياً حاضراً ومستقبلاً. يقولون انهم يكرّرون الدعوة لبري لزيارة موسكو وإجراء محادثات برلمانية رسميّة. الدعوة مفتوحة على قدر الإعجاب بدور ونشاط رئيس المجلس اللبناني.

اما علاقتهم برئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب ​وليد جنبلاط​ لا تنقطع رغم كل ظروفها السابقة. ابقت موسكو الباب مفتوحاً للحزب التقدمي الاشتراكي. تلك العلاقة ترتكز على ماضٍ يجمع الطرفين. لكن الروس لا زالوا يذكرون كيف ان جنبلاط هاجم بوتين لحظة وصول نجله تيمور الى موسكو لإجراء لقاءات حينها مع المسؤول الروسي ميخائيل بوغدانوف.

الروس أنفسهم يبتسمون لدى السؤال عن جنبلاط ويسألون: هل ما زال يهاجمننا حتى الآن؟

بالنسبة الى حزب الله يلمح الروس الى ان التواصل معه بات مباشراً لا يمرّ بطهران. يجمعهم هدف واحد في سوريا، بإعتبارهم يقاتلون في خندق واحد.

رغم كل الإشارات الروسية، تجد موسكو منفتحة على كل الخيارات وبقدر ما تعمل جاهدة لحسم في سوريا سياسيا وعسكريا، بقدر ما تلمس انتظارها لبنانيا ريثما يتّضح المسار السوري.