في الوقت الذي تعمل فيه الدوائر الإقليمية والدولية، الداعمة لقوى المعارضة السورية، على إبعاد جبهة "النصرة" الإرهابية عن تنظيم "القاعدة"، بهدف الإستفادة منها في مرحلة التسوية السياسية، ومنع وضعها على لائحة الأهداف في الحرب القائمة على الإرهاب، أقدمت حركة "نور الدين الزنكي"، المُصنّفة "معتدلة" من قبل الولايات المتحدة وتركيا، على ذبح طفل في مدينة حلب، لتعيد فتح الباب أمام جملة واسعة من التساؤلات حول واقع هذه الفصائل، لا سيما أنها ليست المرة الأولى التي تقع فيها مثل هذه الحادثة.

في السابق، تم تجاوز التحوّل الذي حصل على مستوى حركة "المثنى"، العاملة في الجنوب السوري، فهي بعد أن كانت تُصنف "معتدلة" عمدت إلى مبايعة تنظيم "داعش" الإرهابي، مع العلم أن مؤسسي هذه الحركة كانوا قد انسحبوا من "النصرة" بسبب الغلوّ في ممارستها، بالإضافة إلى ممارسات أخرى ظهرت في مسار عمل بعض المجموعات، من دون أن يتم الإضاءة عليها بالشكل المناسب، نظراً إلى أن التركيز كان على ضرورة إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد مهما كان الثمن.

في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن الموقف الأميركي، الذي عبّر عنه المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية ​مارك تونر​، يوحي بأن هذه الممارسات لا يمكن تجاهلها بعد اليوم، في ظلّ إرتفاع مستوى التهديدات الإرهابيّة على مستوى العالم، بالرغم من أنّه حاول الإشارة إلى أن تورّط الجماعة، المدعومة من بلاده، أمر غير محسوم، فهو أكّد أن تورّطها في الجريمة سيؤدّي لوقف شتّى أنواع الدعم، لكنه تجاهل إصدارها بياناً رسمياً أقرّت فيه بأن الفاعلين هم من عناصرها، إلا أنها وضعت هذا التصرف ضمن إطار فردي، فهل من الممكن أن تقبل واشنطن بهذا التبرير؟

بالنسبة إلى هذه المصادر، ما حصل يطرح علامات الإستفهام حول إمكانية إلتزام فصائل أخرى بالنهج المتطرّف، لكنها تحاول عدم إظهاره بهدف الإستمرار في الحصول على المساعدات الغربيّة، خصوصاً في ظل التحالفات التي تبرمها مع الجناح السوري لتنظيم "القاعدة"، أي جبهة "النصرة"، وتسأل: "هل الفصائل التي كانت تستهدف المدنيين بالقذائف في حلب ودمشق وتعمل على تحويل الأسرى إلى دروع بشرية يمكن تصنيفها بالمعتدلة"؟، وتعرب عن إعتقادها بأن هذه التصرفات لم تتوقف قبل الإنطلاق نحو وضع إطار لمحاسبة مرتكبيها، فـ"من يرى أن "النصرة" بعيدة عن دائرة الإستهداف لن يتأخّر عن تقليدها".

وتوضح المصادر نفسها أن الحادثة الأخيرة تعيد البحث إلى الوراء أشهراً، أي إلى الخلاف الذي طبع عمل مجموعة العمل الدولية الخاصة بسوريا حول وضع لائحة موحدة بالتنظيمات الإرهابيّة، وتشير إلى فشل الحكومة الأردنيّة، التي تمّ تكليفها بهذا الأمر بالوصول إلى أيّ نتيجة تذكر، تتجاوز التصنيف المبدئي الذي يشمل كلاً من "داعش" و"النصرة"، في حين كانت موسكو تدعو إلى إضافة كل من "جيش الإسلام" وحركة "أحرار الشام"، وتؤكّد بأنّ هذا الأمر يعود إلى أن القوى الداعمة لهذه الفصائل تعمل على حمايتها كونها تؤمن لها البقاء لاعباً على هذه الساحة، وتضيف: "حتى ذلك الوقت لا يمكن توقع ما قد يقدم عليه أي فصيل، طالما هناك تجاهل تام من قبل الداعمين، وليس هناك من خطوط حمراء يجب الإلتزام بها".

على هذا الصعيد، تشدّد المصادر المتابعة على أن نقطة الإنطلاق يجب أن تكون عبر الإتّفاق على لائحة موحدّة للمنظّمات الإرهابيّة، بالتزامن مع دعوات الفصائل الأخرى إلى قطع أيّ علاقة معها، تمهيداً لإطلاق مسار سياسيّ وعسكريّ موحّد، يهدف إلى حلِّ الأزمة في سوريا والعمل على مكافحة الإرهاب، وتؤكد بأنه من دون هذا التوجه لا يمكن حل هذه المعضلة الخطيرة، لا بل هي قد تكون مشجّعة على إنضمام المزيد من المقاتلين إلى "داعش" و"النصرة" وأمثالهما، وتعتبر أن المسؤولية الكبرى يجب أن تقع على عاتق الداعمين، لمعرفة هويّة الجهات التي تقدّم لها السلاح على الأقل.

في المحصلة، سيتساقط المزيد من الضحايا على مذابح الخلافات الإقليمية والدولية، في وقت يزداد تهديد الجماعات الإرهابيّة على مستوى العالم بشكلٍ غير مسبوق، من دون أن يصل البعض إلى مرحلة التسليم بأن الإستثمار في هذه الفصائل لا يمكن أن يستمر.