تلعب السياسة دائمًا بين المسؤولين اللبنانيين لعبتها، فيبدو شدّ الحبال بينهم ضاغطًا الى درجة التأثير على الاقتصاد اللبناني سلبًا او ايجابًا حسب النكايات السياسيّة، حيث تصبح التفاصيل رواية.

بعد جلسة مجلس الوزراء التي عقدت يوم الرابع عشر من تموز الجاري، جاء في البند الثاني من مقرراتها ما يلي: "تأجيل بت طلبات خفض غرامات تحقق وتحصيل على بعض الشركات والمصارف، من أجل قيام ​وزارة المال​ بتزويد المجلس بعض المعلومات الإضافية".

لم تمرّ دقائق قليلة على تلاوة وزير الإعلام ​رمزي جريج​ بيان المقررات، حتى تمّ تسريب أن بند تخفيض غرامات الشركات لم يؤجّل، بل سُحب عن جدول الأعمال عشيّة الجلسة بطلب من وزير المال ​علي حسن خليل​، ولم يعد مطروحاً نهائياً.

أمام هذا المشهد المتناقض، يطرح أكثر من سؤال. أولها، لماذا أدرجت طلبات الشركات على جدول الأعمال بطلب من الوزير المعني ليتمّ التسريب فيما بعد أنه طلب سحبها عشية الجلسة؟ وثانيها كيف يعلن مجلس الوزراء تأجيل البند الى جلسة لاحقة لتزويده من قبل وزارة المال بمعلومات إضافية عنه، ثم يُسرَّب ما هو مغاير لما قررته الحكومة؟

أسئلة تحتاج الإجابة عليها الى الغوص أكثر فأكثر في كواليس وخفايا هذا الملفّ، الذي أدرج لمرتين متتاليتين في العام 2014 على جدول أعمال مجلس الوزراء، وتم تطييره آنذاك من قبل وزراء الكتائب عبر الفيتو الذي كان يسمح يومها لمكوّن حكومي واحد من المكونات الأساسية، بأن يطيّر البند الذي يريد.

في خفايا هذا الملف، إعفاء 14 شركة من المؤسسات الكبيرة في لبنان، من تسديد غرامات تحقق وتحصيل بقيمة تفوق 105 ملايين دولار ابرزهم شركة "​سوليدير​" التي تطالب باعفائها من تسديد 39.3 مليون دولار مستحقة للخزينة العامة، وكازينو لبنان (7.6 ملايين دولار) وشركة "بروكتر وكمبل" (4.8 ملايين دولار)... فضلا عن شركات واشخاص آخرين.

في الأرقام الواردة خلال الجدول المرفق، يتبين وبعملية حسابية بسيطة، أن لشركة سوليدير وشركة ثانية الحصة الأكبر من هذه التخفيضات البالغة قرابة 62 مليون دولار من أصل 105 ملايين دولار تقريبًا تتوزع على 14 شركة. وبما أن الشركتين المحظيَتين بالحصّة الأكبر من التخفيض محسوبتان على فريق تيار المستقبل، ترجّح المصادر الوزراية المتابعة أن يكون وزير المال علي حسن خليل قد طلب سحب البند عن جدول أعمال الجلسة وتمّ التسريب أنه لم يعد مطروحاً، بسبب الإشتباك السياسي الذي سُجّل أخيراً بينه وبين رئيس كتلة المستقبل النائب فؤاد السنيورة على خلفيّة الموازنة العامة، وبالتالي أراد خليل تسجيل نقاط في السياسة على السنيورة الذي دافع علناً عن بند تخفيض غرامات الشركات خلال خروجه من الجلسة الماضية لإنتخاب الرئيس في مجلس النواب.

هنا، وعن غير عادة، لعبت النكاية السياسية دوراً إيجابياً لمصلحة الخزينة التي تعاني ما تعانيه من عجز، ووفّرت على الدولة ملايين الدولارات التي على الشركات القادرة أن تدفعها.

في الخلاصة يُطرح السؤال، إذا كانت شركة كسوليدير أو غيرها قادرة على دفع غرامات ضرائبها فهل من المقبول بعد اليوم أن تهدّد الدولة المواطن العادي بدفع فاتورتي الكهرباء والمياه تحت طائلة قطع إشتراكاته؟