قد يكون ما يحصل في التيار الوطني الحر هو جزء بسيط او نسخة مصغرة عما يجري في اعرق واقدم الاحزاب اللبنانية لكن «جسم التيار اللبيس « بعوامل كثيرة جعل من التفاصيل العادية لما يجري في كل البيوت الحزبية كالمساءلة الحزبية مثلاً اموراً تتخطى الاطار العادي وتتجاوز الخطوط الحمراء وتتحول حديث الصالونات السياسية والرأي العام ، فحزب الكتائب فصل وزيره سجعان قزي الذي خالف القرار الحزبي بالاستقالة من مجلس الوزراء فجاءت خطوة قزي الذي امضى سنيناً طويلة في النضال الحزبي الى جانب مؤسسي الكتائب في السياق الهادىء والمقبول وسبق ايضا لحزب «الله الوطن والعائلة» ان اتخذ قرارات طرد من صفوفه في مراحل مختلفة ، في حين ان ما حصل على خلفية اتخاذ اجراءات في حزب التيار الوطني الحر بحق قياديين اخذ منحى تصعيدياً لم يخفت بريقه ووهجه بعد.

وبغض النظر عن مشروعية القيادة في اتخاذ اي قرار حزبي وفقاً لنظامها الخاص وآلياتها الحزبية او بالنسبة لما يعتبره القياديون بانه ثورة ضد مصادرة قرار الحزب واختزال اصوات الاحرار والمناضلين فيه لصالح جهة حزبية او بشأن ما يحكى عن تجاوزات حتى ترتكبها الرئاسة او فريق معين داخل التيار الوطني الحر ، فان ما حصل داخل التيار الوطني الحر يعتبر سابقة لم يألفها التيار البرتقالي في خروج الكثيرين عن صمتهم ، من المقربين والدائرة اللصيقة الامنية والسياسية في الرابية وخروجهم على الاعلام للحديث عما يجري داخل التيار، فليس امراً عابراً ان يخرق نعيم عون «صيامه عن الكلام» سنوات طويلة ليحذر من انهيار التيار، وليس عادياً ان يتمرد زياد عبس المعروف بحماسته الحزبية والشعبوية في الاشرفية على قرار رئاسة الحزب في التصويت في الانتخابات البلدية فيحدث الهرج والمرج في خيمة التيار ، هذه التصرفات اغضبت الجنرال ولم تصب في مصلحتهم خصوصاً ان المعترضين لجأوا الى الاعلام للحديث عما يجري في الكواليس الداخلية كما تقول اوساط حزبية مما استدعى قرارا باحالة زياد عبس وجورج تشاجيان على المجلس التحكيمي وحيث لا تزال تداعيات قرارات احالتهم الى المحكمة تتفاعل في الحزب مما يؤشر الى ان القضية لن تقف عند هذا الحد ، حيث يبدو ان القيادة الحزبية ماضية في قرارها وربما تتجه الى تصعيد الموقف والتشدد في اجراءاتها اكثر.

وتكشف اوساط قريبة من رئاسة الحزب ان القياديين وبعض المسؤولين في التيار تجاوزوا الخطوط الحمراء الحزبية المرسومة وخرقوا المادة السابعة في قانون الحزب بتناول شؤون التيار امام الرأي العام والاعلام ، وتؤكد الاوساط ان ما حصل يرتب مسؤوليات على مرتكبيها وقد يستتبع ذلك اجراءات اقسى تصل الى حد الفصل او الطرد ربما استناداً لقرار المجلس التحكيمي واستئناف الطرفين ، علماً انه سبق للتيار الوطني الحر ان اصدر قرارات بفصل مسؤولين تمردوا على قرار القيادة ، الياس الزغبي واللواء عصام ابو جمرا وطوني مخيبر وجولي دكاش...

فالمجلس التحكيمي يقوم بالتحقيق بالظهور الاعلامي لنعيم عون وزياد عبس وانطوان نصرالله حيث ستتم مساءلتهم حول اطلالاتهم الاعلامية والخروقات الحزبية بحسب اوساط رئاسة التيار والعماد ميشال عون كان واضحاً بدعوته لمن لا يلتزم قرار القيادة الحزبية بترك الحزب. ويشبه عمل المجلس التحكيمي عمل المحاكم اللبنانية من حيث خضوع «المتجاوزين» للاستجواب وحيث يحق لهم وللمجلس ايضاً طلب الاستئناف، فالمجلس التحكيمي يرصد ما يحصل في وسائل الاعلام ويتعلق بمسار الحزب وهو سلطة مستقلة على شاكلة المجالس التأديبية في النقابات والاحزاب في الدول الديمقراطية احكامه نهائية وقابلة للاستئناف وعندما يقع الاستئناف تلتئم هيئاته الثلاث للنظر في القضية المحالة اليه. والعقوبات المسلكية تكون على درجتين، الاولى تشمل التنبيه او التأنيب الشفهي او الخطي، والثانية تشمل تعليق العضوية او الفصل والطرد بصورة نهائية وتجميد مهام الافراد. الاحالة الى المجلس تحصل في حال مخالفة النظام الداخلي او المخالفات المالية او المسلكية.

واكدت الاوساط نفسها ان احالة القياديين في التيار حصلت استناداً الى مخالفتين هما خرق قرارات القيادة الحزبية وتشويه صورة التيار امام الرأي العام ، وحيث توضح اوساط التيار ان من يخالف قرارات القيادة سوف يخضع للمساءلة ، والاجراء الذي طال قياديين ليس الاول ولن يكون الاخير، فيمكن ان يكون هناك ملاحق واجراءات وعمليات فصل حيث يتم التحقيق في مخالفات كثيرة وتجاوزات حصلت في الانتخابات البلدية في اكثر من منطقة من قبل آخرين فلا يوجد استثناءات او عدالة استنسابية لمن يخالف القوانين الداخلية وقد تاتي قرارات المجلس التحكيمي مفاجئة للرأي العام.

وتؤكد الاوساط ان لا علاقة مباشرة او غير مباشرة لرئيس الحزب حبران باسيل الذي يزج اسمه في قضية المحاكمات وتعليق العضوية او الطرد، فالمسألة داخلية محالة الى مجلس تحكيمي يقرر من أخطأ ومن اصاب ويحقق في كيفية التحالف الانتخابي والتصويت خلافاً لقرار قيادة التيار وفي موضوع الظهور الاعلامي للكلام في مواضيع داخلية . في المجمل تستغرب اوساط التيار الضجة المفتعلة حول عقوبات مسلكية او اخطاء هي شأن داخلي مما يؤكد نظرية ان هناك من يحاول ضرب التيار واستهدافه في كل خطواته وخطه السيادي خاصة ان ثمة اطرافاً متضررة مما يحققه التيار كما حصل عند التشكيك بخياراته بورقة التفاهم مع حزب الله او تفاهم معراب وبالتالي ثمة من يأخذ الامور بمنحى مغاير للتصويب على التيار وضربه في بنيته الداخلية لتقويض اسسه .

يدافع «المحالون» الى المحكمة العونية عن «تهمة» خروجهم الى الاعلام بان الآفاق سدت في وجههم امام التغيير وتصويب مسار الحزب وبان لا احد يسمع اصواتهم داخل التيار فالقيادة صمت آذانها او لا تريد ان يعارضها ويصوب رأيها احد ، فلا يوجد آليات للكلام داخل الحزب، حصلت الانتخابات البلدية ولم يلتئم شمل الحزب لمناقشة الاخطاء والهفوات البلدية بل كل ما جرى هو احالات الى مجالس تحكيمية بدل البحث في جوهر الاشكاليات الحقيقية وتدهور الاوضاع داخل التيار وما دليل ذلك الا حملة استجداء الناس للانضمام الى التيار الذي لم يعد يضم مثقفين ومفكرين بتراجع حضوره على الساحة نتيجة اخطاء الرئاسة . اما لماذا اللجوء الى المنابر فالسؤال بحسب هؤلاء «اذا كان كل شيىء نظيف ولا غبار عليه لماذا يمنع الكلام في الاعلام ؟ فالتيار حزب قائم على الحداثة والثورة وحرية الرأي وليس على القمع والاستبداد واستخدام القانون للوصول الى السلطة . يروي المحالون الى المحكمة ان مسار التيار الراهن سوف يودي به الى الانفجار الكبير ، فالازمة داخل التيار تحولت الى كرة ثلج كبر حجمها وباتت تشكل هاجساً حقيقياً ومخيفاً على مستقبل التيار ، فالرئاسة تعمل على اقصاء الناس وهذا ما حصل وفق اوساطهم في الانتخابات النيابية المزعومة لابعاد المعترضين عن الحزب ، فتعليق عضوية زياد عبس حصلت قبل يوم واحد من اقفال باب الترشيح للانتخابات النيابية في الحزب فيما كان في مرحلة الدفوع امام المجلس التحكيمي بحيث يتم استخدام السلطة القانونية لضرب المعارضة الحزبية وابعاد الاقوياء والقادرين على التأثير في التيار .

ويعتبر المحالون الى المحكمة انفسهم «ام الصبي» في التيار ولكنهم لن يقبلوا بغياب المساحة الديمقراطية للنقاش في اروقة الحزب او ان يتحولوا الى «قطيع اغنام» يتم سوقهم كما يشاء احدهم، وما يقولونه في الاعلام ما هو الا الجزء العلني لما يقوله آخرون في السر، «لدينا تسجيلات عن مسؤولين ونواب يخوّنون وما لا يجرؤون على قوله تتخطى بكثير ما قلناه في الاعلام»، وفي المحصلة فان الديمقراطية تغيب عن التيار الذي اشتهر بنضالاته ومقاومته ضد الاحتلال السوري ، والخلاف واقع على طريقة ادارة الحزب واعادته الى مساره السابق او حتى تحسين شروطه.