قد لا تتفق مع وليد جنبلاط او قد تتفق معه. وقد تحبه او لا تحبه. لكنه الأكثر جرأة من بين ساسة لبنان ولا يخجل في قول الكثير مما يجول في خاطره امام الاعلام او في الكواليس المغلقة او الجلسات الخاصة.

منذ فترة استضاف جنبلاط في جلسة خاصة مجموعة من سبعة شبان مميزين في الجامعة الاميركية في بيروت، ولهم نشاط سياسي وشبابي وتغييري محدد ووالد احدهم من القيادات الحزبية العريقة السابقة والمشهود لها في حزبها وطائفتها. والملفت في الامر ان هؤلاء الشباب جمعتهم زمالتهم وحواراتهم مع شباب في الحزب التقدمي الاشتراكي، وعندما وصل خبر هذه النقاشات الى مسامع وليد بيك اعجبته الفكرة ودبت الحماسة لمناقشتهم و"الفضفضة" امامهم والتعبير بحرية عن افكاره.

ومما قاله جنبلاط انه والطبقة السياسية الحالية لا يريدون التغيير ويتصدون بكل قوتهم لمنعكم "اي الشباب"، والحراك من احداث اي تغيير في الحياة السياسية. كما انه وكثيرون يرفضون اي قانون انتخابي يفقد هذه الطبقة السياسية مناصبها وتمثيلها. وهذا الكلام ينسحب على كل الطبقة السياسية الحاكمة. كما شدد جنبلاط على ان لا مجال لاي تغيير في بنية الطوائف وسيطرتها على مفاصل الدولة.

وربما يكون جنبلاط من القلائل من اهل السياسة اللبنانية الذين لا يخجلون بإشهار ما يمس بمصالحهم او ما يريدونه. ويدافع عن مصالحه بشراسة ولو اقتضى الامر التضحية بوزير من هنا او نائب من هناك او قيادي حزبي او مستشار لتأمين انتقال الوراثة السياسية لنجله من دون مشاكل او "وجعة راس".

وحال جنبلاط والاحزاب الطائفية ذات الرأس الواحد او الوراثة العائلية واحدة، فبالامس طرد حزب الكتائب آخر عناصر وكوادر الحرس القديم المتمردين على تفرد حفيد مؤسس الكتائب بالسلطة والقرار من دون العودة الى المؤسسات الحزبية، فكل ما يمت الى امين الجميل ولم يمتثل لتوريث سامي صار خارج الحزب. ولم تقم له قائمة ولم تؤخذ تضحياته في الاعتبار ولم يقدر على سبيل المثال ما قدمه الوزير سجعان قزي لامين الجميل والكتائب طيلة 4 عقود من الزمن وخصوصاً خلال الحرب الاهلية وتولي الاول رئاسة الجمهورية.

وليس حال التيار الوطني الحر افضل من الكتائب فرغم تجربته الحزبية الفتية والسياسية الجديدة 10 اعوام ونيف، يقوم العماد ميشال عون اليوم بكل ما يلزم ليؤمن انتقال الارث العوني الى صهره جبران باسيل، الذي يبسط سيطرته على كل مقدرات الحزب البرتقالي. وفي الوقت نفسه يسعى مع القوات اللبنانية الى احتكار كل الحصة المسيحية في البلديات والانتخابات النيابية وتوزيع المناصب الادارية بينهما.

على المستوى الحزبي ورغم التأكيد على تجربة المؤسسة العونية الحزبية الجديدة فها هو حزب التيار الوطني الحر ينطلق رويداً الى المأسسة وتكدير المنتسبين اليه في مؤسسات حزبية وهذا امر جيد، لكن المتابع لمسيرة التيار الحزبية يشعر ان كل ما يجري هو نفسه في الاحزاب الفردية والشخصية والعائلية التي تدور حول شخص المؤسس وورثته، ولا تفسح المجال امام الانتقاد ولا تقبله ولا مجال النقاش او الاعتراض. وها هي رئاسة التيار تلجأ ومن معها الى غربلة "سريعة" ومن اول الطريق، لكل المعترضين على قيادة التيار الجديدة وطريقة ادارتها للامور الحزبية.

في المقلب الآخر ليست تجربة الاحزاب العلمانية في لبنان اكثر بريقاً، لكنها اشفى حالاً من الاحزاب الطائفية والفردية والعائلية، فبعد ان جدد العصب الشيوعي الشعبي قيادته على مستوى الامانة العامة والمكتب السياسي، رفضت المحكمة الحزبية في الحزب السوري القومي الاجتماعي التعديل الدستوري الذي سمح بانتخاب النائب اسعد حردان رئيساً لمرة ثالثة. فكان ان قبلت المحكمة طعناً بهذا التعديل المرفوع اليها من أحد اعضاء المجلس الاعلى الـ17 وقد قبل بقرار المحكمة كل من حردان واعضاء المجلس الاعلى والقاعدة الحزبية. وتبرر القيادة القومية اجراء التعديل باستشارة 3 من اعضاء المجلس الاعلى وهم من المحامين وأفتوا بجواز التعديل وحجة هذا التعديل، الحرب في سورية وانجاز الوحدة القومية مع جناح الوزير السوري علي حيدر والمؤسسات استمرار وقد ترشح مقابل حردان القيادي القومي اسعد حجل ولم يحالفه الحظ.

وإذا كانت التجارب الحزبية الطائفية والعائلية في لبنان والاحزاب العلمانية ميالة لتقليد فكرة التوارث والتمديد اذا ما توفرت لها الظروف لذلك، فالحياة السياسية ليست بمنأى عن هيمنة هذه الاحزاب على تكوين السلطة وطريقة ادارة البلاد، فهذه الاحزاب الطائفية والعائلية تستمد قوتها من مشاركتها في السلطة. وتمارس اقصى درجات الاستفادة من مقدرات الدولة ومغانمها، فهي لن تسمح او تقبل بالتفريط بحصتها في هذه الجبنة الطائفية المسماة سلطة فلن تسهل اقرار قانون للانتخاب يحسن التمثيل ويؤمن عدالته ولن تنفذ ما لم ينفذ من اتفاق الطائف من الغاء الطائفية السياسية ولن تساهم في الاصغاء لاي تغيير مدني وشبابي. وعليه تبقى الامور معلقة الى ان يستفيق الشعب او ينفجر بعد طول انتظار.