ليالي بعبدا ونهاراتها تعج بالحركة الانتخابية وان كان الاستحقاق الحالي الذي يلهي الناخبين او جزءاً اساسياً منهم ليس الا استحقاقاً داخلياً محلياً اطلقه التيار الوطني الحر في اطار التحضير للانتخابات النيابية التي ستجري قريباً ضمن آلية حزبية تعرف بـ«one man one vote» وعلى غرار ما يجري في الدول الديموقراطية الكبرى، ففي ليلة واحدة تقريباً وعلى مسافة كيلومترات قليلة من مكان سكن المرشحين انفسهم يمكن رصد اعداد المنتسبين العونيين وهم يتنقلون بين مركز او منزل وآخر للقاء هذا المرشح او ذاك وفق الدعوة الموجهة لهؤلاء الناشطين، فبعض المرشحين تقصد دعوة الناشطين الى عشاء بحسب الميسورين منهم والبعض اكتفى بلقاء «عابر وسريع» يكفي لتذكير الناشطين بحضوره الى جانبهم دائماً، فالسباق الانتخابي محموم وكل الوسائل فيه متاحة من حملات اعلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي ولكنه ديموقراطي واستثنائي لا يرتقي الى التنافس الانتخابي القائم في اقضية اخرى، ففي حين تستعر الانتخابات في المتن الشمالي في حرب انتخابية وتصفية حسابات بين نبيل نقولا وابراهيم كنعان وحيث ان «رأس» النائب سيمون ابي رميا «على المحك» في جبيل فان انتخابات بعبدا تبدو اقل حدة وان كان شبح انتخابات رئاسة التيار لا يزال حاضراً بقوة وخصوصاً ان النائب آلان عون كان رأس الحربة في تلك المعركة ضد الوزير جبران باسيل قبل ان ينسحب من المعركة لحماية التيار ونزولاً عند رغبة رئيس تكتل الاصلاح والتغيير، فنواب قضاء بعبدا وان كانوا يتنافسون انتخابياً لهم «بروفايل» مختلف ومتمايز عن نواب المناطق الاخرى فالخلافات او التجاذبات وان وجدت بينهم وان انقسموا سياسياً في تقاربهم من القيادة الحزبية الجديدة، فان خلافاتهم ان وجدت تبقى اقل وارقى مستوى من الاقضية الاخرى في جبل لبنان.

لا يبدو الاستحقاق في بعبدا بعيداً عن الجو العام في كل المناطق، فالحملة التي يسوقها المعارضون المحالون الى المحكمة الحزبية تركز على جدوى هذه الانتخابات باعتبارها تجر الانقسامات الى التيار وبانها حرب الغاء بين العونيين اطلقتها رئاسة الحزب للاقتصاص من المتفوقين حزبياً او اخصام القيادة او بانها معركة لالهاء جزء اساسي في التيار عما تقوم به القيادة التي اقتربت من اصدار حكم مجلسها التحكيمي بطرد مسؤولين ومناضلين في التيار بجرم الظهور الاعلامي والحديث عن شؤون الحزب او بالتمرد على القرارات الحزبية، وبان ما تريده رئاسة الحزب سيتم في النهاية فما تريده القيادة وخططت له سينفذ وحيث ان قناعة المعترضين ان الآلية الموضوعة للانتخابات تفتقد المصداقية والموضوعية. ورغم ذلك فان الجو الانتخابي يبدو حماسياً، فالكل مشدود على اعصابه قبل يوم الاحد، البعض اختار الحشد الشعبي وآخرين التواصل مع الناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبعضهم يخوضها بهدوء لانعدام فرصهم او لاقتناعهم بان برنامج «one man one vote» ما هو الا اجراء شكلي وفي اطار التلطي بعملية ظاهرها ديمقراطي فيما سيتم السير بالاسماء التي تقررها الرئاسة لاحقاً وحيث سيتم تنزيل اسماء بالباراشوت واخرى يتم الغاؤها.

في بعبدا يتوقع ان ينتخب حوالى الف منتسب من اصل الف ومئين وخمسين مرشحاً مسيحياً منتسباً الى التيار العوني «لا تقل فترة انتسابه الى التيار عن سنتين»، وهذا الشرط تم استيفائه من المرشحين للانتخابات وشرط استيفائهم او نيلهم شهادات جامعية، وعدد المرشحين الى هذا الموقع تسعة يتوزعون الى فئتين، فئة النواب او ما يعرف بال «تريو» النيابي في بعبدا «ناجي غاريوس وآلان عون وحكمت ديب» والمرشحين العونيين الذين يبحثون عن فرص بعضها يبدو معقداً ومستعصياً على عدد منهم في امكانية نيلهم اصوات محدودة خصوصاً ان نواب بعبدا يصنفون في خانة الاقوياء والمرضى عليهم شعبياً. الى فئة النواب يتم الحديث عما يعرف بمرشحي السلطة لقربهم من الرئاسة الحزبية، في حين يحتسب المرشحون نادين نعمه وفؤاد شهاب من المرشحين الذين يدورون في فلك رئيس الحزب او ما يتم تداوله بجماعة السلطة ومرشحيها حزبياً. ويجري الحديث في الكواليس الانتخابية ان الانتخابات محسومة سلفاً لصالح احد النواب الا ان المفاجأة الانتخابية قد تكون في تحقيق احد المرشحين الجدد وتقدمه في ارقام على احد النواب بحيث يأتي ترتيب ضمن ترتيبه الخمسة الاوائل الذين يترشحون للجولة الانتخابية الثانية، وحيث يتم التسويق الى تقدم اسم احد المرشحين لاحتلال موقع او مقعد احد النواب.

النائب آلان عون الذي شاكس جبران باسيل في انتخابات الرئاسة قبل ان ينسحب من معركة رئاسة الحزب هو الاكثر ديناميكية والمعروف بشعبيته في القضاء لتواصله الدائم مع الناخبين، ومن هنا فان معركته على سهولتها هي معركة حجمه في القضاء ورسالة لمن يعنيه الامر في الحزب وان كانت حظوظه في ان يكون الرجل رقم واحد في الانتخابات مرتفعة، الامر ذاته يبدو واضحاً في فرص النائب ناجي غاريوس الذي يتمتع بـ«بروفايل» محبب في بعبدا والذي يهتم بامور بعبدا الاستشفائية والصحية وهو يسعى الى تحصيل رقم مميز في السباق الانتخابي، اما النائب حكمت ديب الذي افترق عن زميله آلان عون في انتخابات رئاسة الحزب وفي بعض الخيارات المتعلقة بالتيار فلا يزال وجهاً عونياً بامتياز وله رمزية عونية خاصة من سنوات النضال الحزبي. يبقى ان ثمة اسماء اخرى تسعى في انتخابات التيار الى تسجيل حضور في السباق الانتخابي واستشراف معالم حظوظهم ووضعيتهم في التيار وهم روبير الفغالي وفادي جرجس ويوسف جرماني.

انتخابات بعبدا في التيار الوطني الحر بدون شك هي محطة استثنائية ومفصلية بالنسبة للبعض، فالقضاء اولاً له نكهته الخاصة ومكانته السياسية على خريطة الوطن فهو حاضن لقصر بعبدا ووزارة الدفاع والدوائر الرسمية، وهو خزان عوني وموقعة معركة بعبدا ضد الاحتلال السوري ورمز النضال العوني، وبالتالي فمن يحوز على الرقم واحد هو بدون شك ظاهرة عونية مميزة بغض النظر عن التدخلات وآليات الانتخابات الحزبية.