نجح ​الجيش السوري​ وحلفاؤه في تحقيق إنجاز جديد في مسار العمليات العسكرية في حلب، من خلال إحكام الطوق على الجماعات المسلحة في المدينة، بعد أشهر من معارك قطع الطرقات، ففي الوقت الذي كان فيه الجيش يخوض هذه المعركة، كانت قوى المعارضة تسعى إلى فتح خطوط إمداد بين أحياء حلب الشرقية، التي تسيطر عليها ومناطق سيطرتها في ريف إدلب الشمالي، عبر السيطرة على منطقة الراموسة، وهو ما أكد عليه بشكل واضح، في 19 حزيران الماضي، مسؤول في "​جيش الفتح​"، عبر القول: "بعد 3 أشهر لم نستطع تحقيق الهدف الرئيس للعملية وهو قطع الطريق الى حلب من جهة الراموسة".

الهدف الأساس لهذه المعركة هو إنهاء الوجود المسلح في الأحياء المذكورة، ومنع تدفقهم إليها من الحدود التركية عبر ريف إدلب وصولاً إلى منطقة الكاستيلو-الليرمون، بالإضافة إلى إيقاف مسلسل قصف المسلحين الذي تعيشه أحياء حلب كافة بشكل يومي، حيث بات أمام الفصائل المسلحة خيارات محدودة: الهروب، الإستسلام، خوض مواجهة والثالث هو أقرب إلى الإنتحار، نظراً إلى حسم النتيجة مسبقاً بعد إحكام الطوق عليها، لكن ما هي أبرز التحولات السياسية التي رافقت هذه المواجهة؟

في هذا السياق، تعود مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى كلام أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، في ذكرى أربعين السيد مصطفى بدر الدين، حيث أكد أن "القتال دفاعاً عن حلب هو دفاع عن بقية سوريا ودمشق ولبنان والعراق والاردن الذي دفع بعض فاتورة دعم المسلحين"، في وقت كانت فيه الجماعات المسلحة تتحدث عن سقوط أعداد كبيرة من عناصر الحزب في هذه المعركة، وتشير إلى أن هذا الموقف كان حاسماً لناحية الإصرار على إنهاء الواقع في المدينة، بغض النظر عن الموقف الروسي، حيث كانت الأنباء تتحدث عن أن موسكو تفضل خوض معركة مدينة الرقة أولاً، كما أنها تسعى إلى إعادة فرض الهدنة بالإتفاق مع الولايات المتحدة.

قبل أيام من كلام السيد نصرالله، جاء حديث الرئيس السوري ​بشار الأسد​، خلال خطاب أمام مجلس الشعب، عن أن حلب ستكون المقبرة التي تدفن فيها أحلام الرئيس التركي ​رجب طيب أردوغان​، حيث تشدد المصادر نفسها على الأهمية الإستراتيجية التي تتمتع بها المدينة، بالنسبة إلى ​الحكومة السورية​، فهي من ناحية تعتبر العاصمة الصناعية للبلاد، كما أنها تضم عائلات سياسية تاريخية من الطائفة السنية حليفة للرئيس الأسد، في حين هي، إلى جانب مدينة الموصل العراقية، من أهم الأطماع التركية في المرحلة الراهنة.

ما تقدم يقود إلى خلاصة واحدة، بحسب ما تؤكد هذه المصادر، هي أن القرار كان قد اتخذ باستعادة السيطرة على حلب، من جانب الحكومة السورية وحلفائها، لكن هناك نقطة مفصلية، ساعدت في إنجاز إحكام الطوق على الأحياء الشرقية، لم يكن أحد يتوقعها، هي الإنقلاب العسكري التركي الفاشل، بغض النظر عما إذا كان حقيقياً أم لعبة من أردوغان، حيث تشير إلى أنه أدى إلى حصر تركيز أنقرة بأوضاعها الداخلية على حساب الأدوار الخارجية التي كانت تقوم بها، في وقت كانت تعمل فيه على إعادة علاقاتها مع موسكو إلى سابق عهدها، بعد التوتر الذي حصل على خلفية إسقاط الطائرة الروسية، بالإضافة إلى إعلانها عن رغبتها في إعادة الإنفتاح على البلدان المجاورة، في ظل الأزمة في العلاقة مع بعض البلدان الأوروبية، والتي من المرجح أن تتفاقم، في الأيام المقبلة، بعد إعادة العمل بعقوبة الإعدام.

من وجهة نظر المصادر المطلعة، الإنجاز الذي تحقق يمكن القول أنه من أولى تداعيات الإنقلاب التركي على الأوضاع السورية، نظراً إلى أن أنقرة كانت الداعم الأبرز لمختلف فصائل المعارضة، وهي لا تستبعد أن يكون هناك تداعيات أخرى في المستقبل، بسبب التوتر الذي يسيطر على علاقة أنقرة مع واشنطن، التي تعمل على إبرام إتفاق مع موسكو ينصّ على إستهداف مواقع ومراكز جبهة "النصرة" الإرهابية، بسبب مطالبتها بتسليم المعارض فتح الله غولن، وتضيف: "الجميع كان يعلم أن معركة حلب ذات أبعاد دولية وإقليمية، ومن الطبيعي أن يكون ما حصل في تركيا له تأثير كبير عليها، بانتظار معرفة ما ستحمله الأيام المقبلة من تطورات لا سيما أن المواجهة لم تنته بعد".

في المحصلة، ستكون ​مدينة حلب​ واجهة الأحداث، في المرحلة الراهنة، حيث من المرجح أن يكثر الحديث عن حصارها وأن تقام حملة إعلامية واسعة حول هذا الموضوع، لكن الأكيد أن ما تحقق على المستوى العسكري ليس أمراً عادياً على الإطلاق.