استغربت كثيراً ما سمعته، وسمعه اللبنانيون جميعاً، حول قرار الوفد اللبناني الى مؤتمر القمة العربية عدم المبيت في نواكشوط فيمضي النهار في موريتانيا والليل في المغرب. علماً أن اقتصار القمة على بضع ساعات وفّر هذا العناء على كثيرين في هذه المسألة.

وعادت بي الذاكرة الى سنوات خَلَتْ يوم قصدتُ موريتانيا في مهمة رسمية، عربية، وكنت يومها رئيساً للوفد اللبناني وأيضاً للمجموعة العربية. وأعترف بأنني حفظت، ومازلت أحفظ حتى اليوم، أطيب الذكريات عن تلك المناسبة.

بداية أود أن أشيد بالشعب الموريتاني المضياف.. فبالرغم من ظروف هذا البلد العربي الصعبة فهو يقوم بالواجب في الإستقبال وحسن الوفادة البسيطة »على الطبيعة«.

وأذكر أنني كنت، كما الآخرين، موضع إهتمام... مع بعض »الإهتمام الزائد« بي شخصياً كوني رئيساً للوفد العربي... وعليه تقرر أن أقيم في أحد الفنادق الذي ما إن ذكر إسمه أمامي حتى إرتسمت في خاطري النجوم الخمسة وربّما السبعة... ولكن المفاجأة كانت عندما توقفت السيارة (المتواضعة) الى جانب الطريق ودُعيت للتوجه فوق الحصى والرمال الى منزل لا تتجاوز غرفه الثلاث أمتاراً مربعة محدودة، وقيل لي: هذا مقرك... وقبل أن أسأل جاءني الجواب: وهذا هو الفندق! وبالفعل كان إسمه (العالمي الشهير) مرسوماً فوق مدخله. ولما دلفت الى داخله اكتشفتني في غرف ذات أثاث بسيط جداً.

ولكن هذا الإنطباع عن »الفندق« سرعان مازال أمام لطف الموريتانيين الذين غمرونا بعاطفة صادقة... وموريتانيا هي »بلد المليون شاعر«... فالكثيرون من الرسميين الذين كنا على تماس بهم خلال تلك الزيارة كانوا يقرضون الشعر... ولسنا، الآن، في معرض النقد والتقويم، إنما في مجال الإشارة الى بعض طبائع هذا الشعب الذي كان، في العقود الأخيرة، ينام على إنقلاب عسكري ليصحو على إنقلاب عسكري آخر. ولما لمس القوم انني أجاريهم في قرض الشعر، وانني أحفظ منه (قديمه والحديث) آلاف الأبيات، أقاموا سهرة شعرية خاصة شاركت فيها سيدات شاعرات... وهذا شأن آخر.

وأكثر ما أثار إهتمامي في موريتانيا هو الإحتفال بطلاق المرأة. فالسيدة التي تطلّق يُقام لها (من قِبَلِ ذويها) إحتفال هو الوجه الآخر للإحتفال بعقد الزواج: رقصاً وغناء وعزفاً (...) وقُيض لي أن أدعى الى مثل هذا الإحتفال الذي أقيم لشقيقة أحد أعضاء الوفد المرافق التي صودف توافق زمني بين طلاقها والزيارة.

ولفتني كذلك المناسبات المختلطة، فلقد كانت المرأة حاضرة في لقاءاتنا واجتماعاتنا كافة.

ولولا حساسيتي تجاه السفارة الإسرائيلية لأمكنني القول إن تلك الزيارة الى موريتانيا، والأيام الثلاثة في العاصمة نواكشوط، هي من أجمل الزيارات التي قمت بها، رسمية أو خاصة، الى مختلف أنحاء العالم... لأنها تمت في أجواء البساطة التي افتقدناها، وفي أجواء التواضع التي غابت عنا طويلاً، ووسط أفراد طيبين من الشعب الموريتاني.

وعندما غادرنا في طريق العودة، عبر بلد أوروبي، كان علينا أن نواجه، يومذاك، في أمن مطار نواكشوط، جنوداً فرنسيين.