بعد سنتيـن وشهرين من الشغور الرئاسي، توصّل رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى إستنتاج أنه لن يكون لدينا رئيس للجمهورية من دون "السلّة الـمتكاملة" التـي تضمّ الإتفاق الـمسبق على إسم رئيس الـجمهورية، وإسم رئيس الـحكومة وأعضاء الـحكومة وقانون الإنتخاب.

إذاً، الواقعية السياسية لبري أفضت إلى مـحاولة كسر الـجليد الرئاسي وإنـهاء الفراغ الذي دخل عامه الثالث، وفـي الوقت نفسه الإتفاق على قانون الإنتخاب والـحكومة. ويقول: "لو لـم يتمّ الإتفاق فـي الدوحة عام 2008 على قانون الإنتخاب والـحكومة لـما جرى إنتخاب ميشال سليمان رئيساً". هذا الطرح الـجديد لقي ترحيباً من بعض القوى السياسية، ورفضاً من قوى أخرى إعتبـرت أن الأولوية البديهية والتلقائية فـي هذه الـمرحلة هي لانتخاب رئيس الـجمهورية، واعتبـر البعض الآخر الـمتشدّد أن الثلاثية الـحوارية التـي دعا إليها بري هي أشبه بـمؤتـمر تأسيسي مُقنّع. وعلى الرغم من كل التناقضات، يعتقد بعض السياسييـن أن ثـمة مؤشّرات تدلّ على أن ملفّ الإستحقاق الرئاسي سيتحرّك بقوة فـي الأيام الـمقبلة. فالـحراك الـمستجدّ فـي شأن رئاسة الـجمهورية ترافق مع سلسلة لقاءات فرنسية ودولية، ومع تـحريك ملف النفط الذي جاء على وقْع الإتفاق التـركي الإسرائيلي فـي شأن مدّ أنابيب الغاز من إسرائيل إلى تركيا.

هل أن الـحلف الثلاثي الـمستجدّ بين موسكو واسطنبول وتل أبيب والذي أحرج إيران و"حزب الله" قد يساهم فـي فكّ أسر الرئاسة؟ وما هو سرّ تكويعة رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط ومباركة ترشيح رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون "إذا إرتأى الـمسيحيون أنه خلاصهم"؟ وما هو سرّ الكيمياء الـمستجدّة والـمفاجئة بيـن بري ووزير الخارجية جبـران باسيل وسلوك ملف النفط النائم منذ أكثر من ثلاث سنوات طريق الـحلّ بـهذه السرعة القياسية؟ وهل لقاء رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع النائب جنبلاط ثـم لقاؤه رئيس تيار المستقبل سعد الـحريري فـي بيت الوسط، وتوجّه الـحريري إلى السعودية على وجه السرعة ومقابلة الـملك سلمان بن عبد العزيز، مؤشّرات ترمز إلى حلحلة فـي الـموضوع الرئاسي؟ لا شكّ فـي أن اللقاءات والتحركات التـي حصلت فـي الأيام الأخيـرة تصبّ فـي مصلحة العماد عون -عذراً سليمان بيك– وتعطي اللبنانييـن بعض الأمل، بعد أن فقدوه، وصاروا يتوقون إلى إنـهاء الشغور الرئاسي بأيّ إسم وبأيّ ثـمن. ولكن، ألـم يذهب الفريق البـرتقالـي بعيداً فـي تفاؤله وهو يعلم علم اليقيـن أن قرار إنتخاب الرئيس خرج عن كونه مـجرّد توافق داخلي، وصار أسيـر التوازنات الـمتغيّـرة فـي الـمنطقة؟

يبدو أن "السلّة الـمتكاملة" التـي يطرحها نبيه بري لن تتيسّر لـها فرص النجاح فـي ظلّ الرفض السعودي للمقايضة بيـن إنتخاب رئيس للجمهورية فـي لبنان، والتسليم ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد فـي سوريا، ولا يُتوقع فـي ظلّ الصراع السعودي-الإيرانـي الـمتصاعد، أن يُسجَّل أيّ إختـراق يؤدّي إلى إنتخاب رئيس. ففي اللقاء الأخيـر بيـن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ووزير الـخارجية الإيرانـي مـحمد جواد ظريف، لـم تـخف إيران رغبتها فـي مقايضة الرئاسة اللبنانية ببقاء الرئيس الأسد فـي السلطة. فهل ترضخ فرنسا، الـموكلة من الأميـركييـن بالشأن اللبنانـي، بـهذه الـمعادلة؟

إن طاولة الـحوار التـي إنسحب منها معظم قادة الصف الأول وأوفدوا من يـمثّلهم لتمرير الوقت، تنتظر التطورات فـي سوريا واليمن، والإنتخابات الأميـركية، وكلمة السر من وراء البحار والصحاري، وكل ما يُقال غيـر ذلك هو "إستخفاف" بعقول الناس، و"ضحك على الذقون".

فـي ذكرى أربعيـن مصطفى بدر الدين، أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله صراحةً أن إيران مرجعيته ومرجعية "الـحزب". وقال: "أُعلن من على رأس السطح أن موازنة "حزب الله" ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشُربه وسلاحه وصواريـخه من الـجمهورية الإسلامية فـي إيران". فلماذا لا يزال البعض يشكّك و"يتحزّر" عن الـجهة التي أصدرت الأوامر للحزب للدخول فـي الـحرب السورية وفـي تعطيل إنتخاب رئيس الـجمهورية؟ وفـي الـمقلب الثانـي، عندما يـجاهر وزير الداخلية نـهاد الـمشنوق وبصراحة تامة أن السعودية (الراعية والـمموّلة لـما تبقّى من فريق 14 آذار) تضع "فيتو" على الـمرشّح الرئاسي العماد ميشال عون، فلماذا لا يزال البعض ينكر وينفي التدخّل السعودي فـي الإستحقاق الرئاسي؟ ألا يقول الـمثل الفرنسي: "Qui donne ordonne" "الذي يعطي يأمر"؟!

هذه الـحقيقة يعرفها جيداً بري، ويعرفها كل القادة الذين تـخلّوا عن طاولة الـحوار لـمساعديهم، بعدما أدركوا أن اللعبة خرجت من أيديهم وأصبحت فـي أماكن أخرى، مع علمهم الـمُسبق أن تفويت فرصة إنتخاب رئيس خلال الصيف قد يفضي إلى إجراء إنتخابات نيابية السنة الـمقبلة على قانون 1960 ومن دون وجود رئيس للجمهورية، مـمّا يؤدّي إلى حكومة تصريف أعمال، ومزيد من تعقيد الوضع بالنسبة للإستشارات النيابية وتسمية رئيس الـحكومة وأعضائها وغيـر ذلك.

وهكذا، تبدو "السلّة" التي يطرحها رئيس المجلس النيابي مثقوبة، ولا مـجال لإصلاحها أو إبدالـها، ما دام الفريقان الأساسيان فـي طاولة الـحوار، لا يـخجلان من الـمجاهرة فـي تبعيّتهما وفـي تنفيذ ما تطلبه إيران والسعودية. فما على بري، ولكي تنجح "سلّته"، إلاّ القيام بالـحجّ إلى قُمّ ومكة علّه يأتـي بالدواء الشافـي لكلّ مشاكلنا، فـ "الـحجّ الـمبرور ليس له جزاء إلاّ الـجنة".

* مـخـتـار الـجـديـدة

باحث وكاتب سياسي