هذا شاعر غير الشعراء. دعك من الألقاب. إسمه أكبرها فالشاعر البير حرب شاب في الثمانين... بل لعلّه من القلّة في لبنان والعالم الذين ما تقدم بهم العمر إلاّ طوّعوا الكلمة بأفضل مما كانوا يتعاملون معها وهم في ميعة الصبا وتحفز الشباب.

لي مشكلة مع البير حرب... إنها مزمنة، منذ علاقة الأخوة التي جمعت أبا خليل بأبي البير ذات زمن كان الصديق (فعلاً) الأخ الذي لم تلده الأم... تلك المشكلة انه يعاقر الشعر، و«يعاشر» الكلمة، وينحت المبنى ليأتي المعنى دهشة على دهشة... ومع ذلك فهو يرفض أن يستدعي الأضواء الى مملكته التي عرشها شعر، وصولجانها شعر، وشعبها شعراء أو ذواقة شعر.

وعندما تناهى اليّ ديوانه الأخير «صََبيع فوق الشمس» سألتني ما اذا كان لايزال «يحق» لهذا الفارس أن يمتطي جواد الشعر الجامح.

وأعترف بأنني وضعت يدي على قلبي قبل أن أتصفح الديوان... وما إن إنتهيت حتى وجدتني أتمسك بالبقاء بين دفتي هذه الخماسيات والرباعيات، وقل بين ضفتي هذا النهر الجارف جمالاً، وروعة، وخيالا، وفكراً، وجنوناً ومنطقاً.

لقد وجدت البير حرب يقطن بين العقل والخيال فلا يتزمت هذا ولا يجنح ذاك، إنما يبقيان متماسكين، بل ممسوكين بأصابع ساحر لم يُكتشف سرّه بعد... إذ في كل كلمة، وجملة، وبيت ورباعية وخماسية عالم يمور بما لا يخطر للقارىء (... والمستمع) في بال، حتى إذا اقفلت القصيدة تدفق عالم من الروعة وفاضت دنيا من اللامألوف، ولكنه الجميل، الراقي، الأنيق والنظيف.

ثم إن البير حرب أعطى الكلمة «اللبنانية» بعداً لم تَرْقَ اليه سوى القلّة من الكبار الكبار. فلم يعد «الشعر اللبناني» وقفاً على البكاء والإستبكاء على عالم (من أسف) ذهب ولن يعود. بل بات مع البير وقلة من أمثاله الأوقيانوس العظيم الذي تصب فيه أنهار الفكر والفلسفة واللاهوت والحكمة والفضاء والماورائيات.

البير حرب شاعر وحسب.

فليس هناك شعراء كبار وشعراء صغار وأنصاف شعراء وأرباع شعراء.

يكون الشاعر شاعراً أو يكون منتحلاً صفة.

أخي البير.

ما أقلّ الشعراء أمثالك... وما أكثر منتحلي الصفة!.