لم تشهد اوروبا صراعاً محتدماً وعلنياً بين المسلمين والمسيحيين منذ القرن الثالث عشر، واقتصرت المواجهات على فترات محدودة وفي اماكن محدودة ايضاً، دون ان تنتشر وتصل الى حد الحروب. اما اليوم، فقد بدا ناقوس الخطر الديني يدق ابواب اوروبا، وبدأ المسيحيون في اوروبا يشعرون بأن المسلمين يهددونهم حتى علت الدعوات الى التسلح او تأمين الحماية اللازمة، وهو امر خطير وينبئ بتداعيات لا تحمد عقباها.

وقد ادى الاعتداء الارهابي على كنيسة فرنسية في النورماندي وقتل كاهنها جاك هامل الى الكثير من التساؤلات اصغرها يتعلق بالسبب الذي يدفع الى مثل هذه الجريمة في هذا المكان، واكبرها يصل الى حد معرفة ما اذا كان مصير اوروبا كما نعرفها اليوم على المحكّ.

ومن البديهي السؤال عن السبب الذي يدفع الى قتل كاهن عجوز (86 عاماً) لم يتبق الكثير من حياته ليعيش، وفي منطقة ريفيّة، وهو صاحب مواقف معروفة تدعو الى التسامح والمحبة. هذا الامر معطوفاً على الاستراتيجية الجديدة للارهابيين بقتل افراد عبر ابسط الطرق (دهس بالشاحنة، طعن بالسكاكين...) تدفع الى التساؤل عما اذا كانت اوروبا مستهدفة، وعما اذا كان الامر كله من اجل ايقاظ مارد التطرف المسيحي لمواجهة التطرف ​الاسلام​ي فتضيع التعاليم والقيم الدينية بين التطرّفين.

لم تتأخر الدعوات في بريطانيا والمانيا وفرنسا لحمل السلاح او تأمين الحماية اللازمة لدور العبادة، وهذا الامر سيدعو كل مسيحي أكان ممارساً لشعائره الدينية او بعيداً عن ممارستها، الى الشعور بأنه مهدّد، والنظر الى المسلم على انه خطر متوقع حتى لو كان مسالماً الى اقصى الدرجات. ولعل كثرة المجتمعات الاسلامية في اوروبا، كفيلة بتأمين توازن قوى سيكون مطلوباً فيما لو تصاعد نمو التيارات المسيحيّة المتطرّفة، بما ينذر بحصول مواجهات والتحول الى حرب اهلية يشعر فيها المسلمون كما المسيحيون بأنهم "مظلومون".

لا أحد يعرف من يقف خلف هذا المخطط، ولكن من المهم التشديد على انه مخطط جهنمي من شأنه ان يغير صورة اوروبا كما نعرفها، وقد يؤدي الى خريطة ديموغرافية جديدة لا تتطابق بالشكل والمضمون مع تطلعات الاوروبيين الى اي طائفة انتموا.

هل سنشهد حرباً في اوروبا على غرار الحرب التي شهدناها في لبنان ابان الصراع الاسلامي-المسيحي؟ كل الدلائل تشير الى العكس، ولكن اوروبا غير المعتادة على مثل هذه الحروب، قد تجد نفسها مقسمة بطريقة غير رسمية الى بلدات واماكن تحت سيطرة غالبيّة اسلامية وأخرى تحت سيطرة غالبية مسيحيّة، ولن تساعد الاوضاع التي يشهدها الشرق الاوسط، و"الانقلابات" التي تشهدها تركيا حالياً، في التخفيف او التغيير من هذا الواقع الذي سيستجدّ.

اما الخطر الحقيقي فسيكون في عدم كسب تحدّي ابعاد القوى الامنية والعسكرية عن هذا الصراع، فاذا اصابت العدوى هذه المؤسسات، ستكون الكارثة قد حلت. قد يعتبر الكثيرون ان هذا السيناريو اقرب الى الافلام منه الى الواقع، ويمكن ان يكونوا على حق، ولكن هل كان احد منهم يتوقع ان تتحول اوروبا الى ثكنة عسكرية وان تشهد شوارعها انتشاراً للجيش لمؤازرة الشرطة، او الدعوة الى اتخاذ تدابير اضافية لفرض الامن او حتى اعلان حال الطوارئ في دولة بأكملها فيما اعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند عزم بلاده على انشاء حرس وطني. من كان يتوقع مثل هذا السيناريو في اوروبا قبل سنتين؟ الم يكن حينها الامر اقرب الى الافلام منه الى الواقع؟

القرار بانهاء "داعش" اتخذ وهو قيد التنفيذ، ولكن وفق أيّ حساب وبأيّ ثمن، وهل ستتحول المنظمات الارهابية الى "خلايا نائمة" جاهزة لأن تصحو عند الحاجة وتحت اسم جديد ومطالب جديدة؟ وكيف ستواجه اوروبا مخططاً يهدّدها، هل بالدعوة الى التسامح وترك الامور للقوى الامنية ام بالخوف والدعوات الى التسلح والامعان في زيادة الشرخ بين المسلمين والمسيحيين فيها؟