"فرنجية ما سقط"... فرنجية ما زال يكافح للرئاسة متسلّحًا بفخر الترشيح الذي منحه إيّاه الرئيس سعد الحريري وما منحه إياه أحدٌ سواه أقله في المرحلة الراهنة بعدما سقطت كلّ الأقنعة وتكرّس تعذُّر وصول الرجل الى بعبدا.

يؤمن كثيرون أنه كلما تراجعت حظوظ النائب ​سليمان فرنجية​ كلما تعززت حظوظ العماد ميشال عون للرئاسة أقله لسنةٍ انتقالية ريثما يتمّ انتخاب مجلس نواب “شرعي” يعيد هو بنفسه إنتاج رئيس للجمهورية بلعبةٍ تصويتية ديمقراطية لا تجد اليوم الى البرلمان سبيلًا.

بعد غيابٍ طوعي...

أجاد فرنجية اختيار الزمان والمكان. فبعد رحلة النقاهة الى باريس والتي ارتبطت بدواعٍ عائلية لا سياسيّة بعدما كثر التحليل عن ذهاب الرجل لسماع النبأ السيئ من الإليزيه شخصيًا، عاد سيّد بنشعي الى الأضواء بعد غيابٍ طوعيٍّ ارتبط يومذاك بانتظارٍ ذكيٍّ ومدروسٍ لمسار الأحداث لا سيّما بعد تحوُّل كلّ العناصر الرئاسية المفيدة والفاعلة من بنشعي الى الرابية. لم يكن فرنجية ليتخذ من بكركي منبرًا للردّ على كلامٍ صحافي وإشاعاتٍ سرت عن تسليمه بالخسارة وتوجُّهه الى انسحابٍ إما بالتراضي وإما بضغطٍ صريحٍ من حزب الله ومن الرئيس السوري بشار الأسد لإتاحة المجال أمام توافقٍ سريع يأتي بالعماد عون رئيسًا خلاصيًا رغمًا عن أنوف المعترضين. نسف فرنجية كلّ ما سبق وما ارتبط به من تحليلاتٍ دفعت أبناء الرابية الى استشعار اقتراب الموعد. وما لم يقله فرنجية في الصرح احترامًا لهيبته ولعدم إحراج البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الذي يعتبر أن عون عين وفرنجية عين، قاله في عين التينة أمس. فهناك المناخ السياسي مؤاتٍ وقد يحمل ما يكفي من الإحراج للرئيس نبيه برّي بعد اطّراد الكلام عن دعمه ترشيح عون مقابل تسويةٍ “مَجداها”: الرئاسة والنفط.

التفافتان قاسيتان

في عين التينة كلامٌ آخر. تثبيت ما يعتبره أبناء المردة ثابتًا في الأساس: لا انسحاب طالما هناك من يؤيّدني. لم يعد خافيًا على أحد أن الرجل يعوّل على “تعنُّت” تيار المستقبل الذي قد لا يدوم طويلًا في حال أصاب الكلام عن بدء تكويعةٍ “مستقبلية” ضمنيّة لا يعكسها كلام أبناء التيار في اتّجاه الرابية على أن يُعلَن عن المكاسب المقابلة لاحقًا. يضني فرنجية مسارُ الأمور التي تنحو في الأسابيع القليلة في غير صالحه والتي تصبّ في خانة “غريمه” الرئاسي وحليف الأمس العماد عون. فبرّي يبدي ليونةً مطلقة إزاء ترشيح الجنرال وهو ما لم تحفظه ذاكرة التاريخ الحديث يومًا أيًا تكن صدقيّة الحديث عن ارتباط الرئاسة بالملف النفطي. النائب وليد جنبلاط يحرص على تعبيد الطريق لوصول عون من خلال إحراق أوراق فرنجية في كلّ فرصةٍ سمحت له بذلك ولكن بطريقة محنّكةٍ صادرة عن رجل محنَّك. ورغم أن لائحة الأسماء المتقلّبة قولًا وضمنًا لا تتوقف عند هذا الحدّ، بيد أن التفافتين من هذا النوع من رجلين قيل فيهما يومًا أنهما طابخا تسوية فرنجية الرئاسية، تساويان الكثير لا بل تعنيان الكثير للمرشَّح الافتراضي وتعمّقان جراحه.

هل توفّرت الرغبة؟

اليوم، تبدو أجواء الرابية تفاؤلية على عادتها، لدرجة تدفع بعض “المستقبليين” الهازئين في معرض ردّهم على أسباب هذا التفاؤل وماهياته الى القول إن “عون متفائل ببعبدا مذ كان ضابطًا في الجيش”. ذاك الكلام الذي لا يأخذه العونيون على محمل الجدّ لا بل يقزّمونه لعدم قطع الخيط مع المستقبل أولًا، وليقينهم بأحقية وصول عمادهم الى بعبدا ثانيًا، لا يعدو إطاره النظري طالما لم تتوفّر رغبة جامعة بانتخاب عون، وهو ما عبّر عنه فرنجية نفسه بإعلان استعداده للانسحاب إذا ما تأمّن إجماعٌ توافقي على شخص عون”، وهو ما يبدو غير متيسّر حاليًا رغم كلّ الأجواء الإيجابية المحيطة بالملف الرئاسي والتي دفعت كثيرين من الحريصين الى تبنّي نظريّة “الخلاص في آب” والتي سيعززها الحوار ربطًا بخَلاصاتٍ أخرى ستشهدها المنطقة في تلك الفترة. وبناءً عليه، تنجلي الصورة الرئاسية بالنسبة الى كثيرين من المتفائلين الذي يألون على أنفسهم تبنّي نظرية الحسم في أحد شهريْ آب وأيلول، أو في أحسن الأحوال قبل نهاية العام الجاري.

حزب الله والشكوك!

هي حالٌ من التناقض المريب يغرق فيها الملف الرئاسي مجددًا. فمن جهةٍ لا يسهل تجاوز التحليلات الصابّة في معظمها في خانة استيلاد حلول بعد أسابيع معدودة ربطًا بمعركة حلب الذاهبة الى الحسم النهائي بتنسيقٍ أميركي-روسي، وهو ما سينعكس إيجابًا على الرئاسة اللبنانية لا سيما أن بيضتي القبّان (بري وجنبلاط) لا تمانعان انتخاب عون. ومن جهةٍ أخرى، تكثر علامات الاستفهام حول موقف حزب الله من انتخاب عون رغم أن الحزب تعب وهو يؤكّد أنه يدعم حليفه حتى آخر الأرماق، بيد أن عناصر مرئية أخرى قد تشي لكثيرين بخلاف ذلك ومنها عدم تطرُّق السيد حسن نصرالله في كلمة الأمس الى هذا الشأن رغم أنه ملفٌّ حامٍ، ناهيك عن تشكيك آخرين بصدقيّة نيّة الحزب أو بالأحرى رغبته الحقيقية في التوجُّه الى مجلس النواب لانتخاب عون بحجّة أنه لو أراد ذلك لفعله منذ زمن. كثيرًا ما يحاول حزب الله إبعاد هذه النظرية “المدسوسة” عنه والتي يصطاد بها فريق 14 آذار أوّلًا، ولا تنفكّ تتردّد على الشفاه القواتية الداعمة لترشيح عون حتى النهاية رغم كلّ المغريات ومحاولات الدسّ لخرق اتفاق الرابية ومعراب.

مفاجأة حتمية!

إذًا فرنجية عازم على الاستمرار. الرجل أفرغ كلّ ما في جعبته أمس من عين التينة من دون أن يعني ما قاله أن بري يوافقه عليه. دحض فرنجية كلّ النظريات المرتقية باقتراب انسحابه أو بهَوان مثل هذا القرار. المعايير العاطفية لمّا تزل تؤدي دورها ببساطة بين بيت الوسط وبنشعي رغم أنها عواطف طارئة، ولكنّ تفاؤلًا مختلفًا في الرابية في المقابل لا يمكن تجاهله خصوصًا أن تلك الدارة ولكثرة الصفعات الرئاسية اعتادت ألا تضيء شمعة الاحتفال قبل تأكيد حضور “المعازيم”. وعليه، حتمًا سيحمل آب مفاجأة رئاسية. مفاجأة إما أن تتجسّد في انتخاب رئيسٍ للبلاد، وإما أن تتجلّى في “لاشيء” ليكون كلّ ما قيل وسيُقال قبل منتصف ذاك الشهر مجرّد كلامٍ رئاسي ممجوج لا جمرك عليه.