حين القى الرئيس الأميركي ​باراك أوباما​ خطابه الشهير في جامعة القاهرة في العام 2009، مهّد الطريق لعلاقة علنية مع الاخوان المسلمين، لا بل انه لم يتوان عن تقديم النصائح اليهم في طريقة الحكم والانفتاح. الان وهو يودّع الرئاسة الأميركية، فان أوباما نفسه يصف احد آخر وأبرز زعماء الاخوان المسلمين في العالم الرئيس التركي ​رجب طيب أردوغان​ بأنه استبدادي وفاشل في حديثه الى مجلة أتلانتيك. فهل انتهى أميركيا دور الاخوان كمطيّة للغرب في المنطقة، وبالتالي انتهى دور أردوغان؟

كل شيء يشير فعلا الى ذلك. ولم يكن ثمة عدوّ لأردوغان اكثر من أردوغان نفسه، حيث اوصله غروره الى الاصطدام بكل الجدران الاقليمية. فما هي اسباب انتهاء دور الاخوان والرحيل المرتقب للرئيس التركي؟

اولا: ثمة مناقشة مشروع قانون حالي في الكونغرس الأميركي تقدمت به اللجنة القضائية في مجلس النواب الأميركي لادراج تنظيم الاخوان المسلمين على لوائح الارهاب الأميركية. لو صدر هذا القانون فان التنظيم وداعميه والمتعاطفين معه والدائرين في فلكه ومموليه ومسهلي حركته ومستضيفيه يصبحون في دائرة الاتهام، وفي مقدّمة هؤلاء أردوغان وحزبه العدالة والتنمية... هذا سيلزم الادارة الأميركية والاطلسي بتغيير علاقتهما بالرئيس التركي.

ثانيا: كان الرهان الأميركي أن يقدّم الاخوان المسلمون نموذجا معتدلا للحكم في عدد من الدول العربية بعد سقوط الانظمة المتعاملة مع أميركا مثل مصر وتونس، والسعي لإسقاط الانظمة الأُخرى وفي مقدمها سوريا في اعقاب اجتياح ليبيا... تبيّن لهم لاحقا ان الاخوان ليسوا بديلا عن الانظمة العسكرية او القومية او اليسارية او البعثية وغيرها، وانما فرّخت عند جوانبها تيارات متطرفة وارهابية... صحيح ان هذا الارهاب كان له دور غربي وتركي وخليجي اساسي في زعزعة استقرار سوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها، لكن الأكثر صحّة أنّ الارهاب ارتد الى منابعه... وتحوّل الاخوان من مطيّة الى عبء، فجرى تسهيل اسقاطهم في مصر وتطويقهم في الخليج وتدميرهم في غزة...

ثالثا: باستثناء قطر، فان دول الخليج هي بالاساس حذرة من الاخوان، واذا كان بعضها تقبل التنظيم لمحاولة اسقاط النظام السوري، فان البعض الاخر سارع الى وضعه لاحقا على لوائح الارهاب... الامارات كانت المُبادِرة لكن السعودية نفسها اضطُرَّت لاحقا وعلى الارجح بضغط أميركي الى التعامل معهم كتنظيم إرهابي بغضّ النظر عن ضبابية علاقتها بهم في اليمن وسوريا باسماء مختلفة.

رابعا: اذا كانت تركيا قد شكلت قاعدة عثمانيّة واطلسيّة وخليجيّة متقدمة ضد النظام السوري وحولت اراضيها وحدودها الى ممرات للارهاب صوب سوريا والعراق والأنابيب للمتاجرة بنفط الارهاب صوب اسرائيل واوروبا، فإنّ الارهاب نفسه عاد ليمر عبرها باتّجاه الغرب، ولم يلتزم أردوغان بكل ما طلب منه لوقفه. وثمّة معلومات غير مؤكدة تماما عن ملفات استخباريّة غربيّة جاهزة للتحريك ضد الرئيس التركي في أيّ لحظة حين تدقّ ساعة ترحيله.

خامسا: حين اسقطت تركيا الطائرة المقاتلة الروسية، وصل الأمر بموسكو الى حدّ التلويح بحرب عالمية ثالثة. تبيّن ان تعنت وغرور أردوغان قد يدفعان فعلا الى مواجهة روسيّة اطلسيّة، خصوصا ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان قد اتخذ قراره بضرب تركيا اذا ما كررت الاعتداء. واضطر الرئيس التركي الى كسر عنفوانه والاعتذار من موسكو بعد أن تبيّن له ان الأميركيين والروس ذهبوا بعيدا في اتفاقاتهم الاقليمية.

سادسا: ان اوروبا المتحفّظة اصلا حيال ادخال دولة اسلاميّة بحجم تركيا الى الاتحاد الاوروبي ما عادت قادرة على تغطية أردوغان المتّهم بتسهيل الإرهاب، فكيف تَقْبَلُ بدورٍ له في اوروبا؟ تفاقم الوضع مع خروج بريطانيا من الاتّحاد وهي التي تضم جمعيات وتستضيف شخصيات اخوانيّة كثيرة ومهمة (هل ننسى ان راشد الغنوشي، وعلي صدر الدين البيانوني زعيم الاخوان السوريين كانا على ارضها؟)

سابعا: ان فشل أردوغان الذريع في الملف السوري بعد ان ساهم بتدمير سوريا ونهب مصانع حلب، وتوجه الكُرد السوريين الى إقامة كيان مستقل في الشمال السوري، وعودة الحرب بشراستها ضد كرد تركيا، يجعل أي اتفاق أميركي روسي لانهاء الحرب السورية امام عقبة اسمها الرئيس التركي، خصوصا ان الرئيس السوري بشار الاسد ألمح الى احتمال المصالحة مع تركيا وليس مع أردوغان... يُضاف الى ذلك ان احتمال اشراك الاخوان المسملين بالسلطة في سوريا لم يعد مطروحا...

لو اضفنا الى كل هذه العوامل الاقليمة ويينها أيضًا الخلاف الكبير مع مصر، وتدهور صورة أردوغان في تركيا على خلفيّة الصدام مع الجيش والقضاء والاعلام، ومجاهرته بالعزم على تأسيس جيش محمّد، وإعادة احكام كثيرة من عصر الخلافة العثمانية ويينها عقوبة الاعدام، فإنّ بقاء الرجل الذي بدأ حياته نصيرا للفقراء وانتهى بغرور سلطان عثماني سلجوقي متوهّمًا السيطرة على المنطقة من على صهوة الاخوان المسلمين، يبدو امرا شبه مستحيل.

ليس مهمّا كيف سينتهي أردوغان وما هي طريقة رحيله، لكن الأهمّ أنّه لن يصلّي في دمشق، ولن يفتتح مسجدا جديدا في موسكو، وانما قد يصلي لاجئا في قطر محمولاً اليها على متن طائرة أميركية، هذا ان لم يسقط بانقلاب آخر فعليّ وكبير هذه المرة كما توقع الكاتب روبرت فيسك...