في ذروة الحديث عن الإرهاب الدموي، بدأ الحديث يتنامى عن الإرهاب البيئي، وإذا كان الإرهاب الدموي يتسبب بالضحايا، فإنَّ الإرهاب البيئي يتسبب بالضحايا أيضاً من خلال التسبب بالوفاة من الأمراض الناجمة عن التلوث البيئي. وفي الحالَيْن هناك إجرام:

ففي الإرهاب الدموي هناك إرهابيون يصطادون ضحاياهم بالتفجيرات وغيرها، وفي الإرهاب البيئي هناك إرهابيون يصطادون ضحاياهم بالسموم والمواد غير المطابقة للصحة والمتسببة بالأمراض المستعصية.

ربما لهذا السبب تنبَّهت الدول المتقدِّمة قبل غيرها إلى هذا النوع من الإرهاب، ومَن يتابع الإعلام الأوروبي ووسائل التواصل الإجتماعي لمواطني حوض البحر الأبيض المتوسط، يجد الصرخات تتصاعد تحت شعار انقذوا المتوسِّط من التلوث، فهذا البحر الذي يشكِّل % من المساحة المائية على الكرة الأرضية، يختزن نسبة عالية من التلوث لأنه يعيش على حوض المتوسط من أكثر الدول تاريخاً وكثافة سكانية وتقدماً:

من اسبانيا شمالاً، مروراً بفرنسا وإيطاليا واليونان وتركيا وسوريا ولبنان وفلسطين، وصولاً إلى مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب، من دون أن ننسى الجزر الآهلة فيه وفي مقدمها قبرص.

هذا الواقع يُحمِّل البحر المتوسط عبئاً بيئياً يمكن أن يتحوّل يوماً ما إلى مستنقع تلوث بدلاً من أن يكون البحر الأبيض المتوسِّط.

لبنان من الدول المعنية بالتلوث لأنه لم يُعطِ للموضوع البيئي الأهمية التي يستحقها، ولذلك بقي الموضوع البيئي على عاتق المنظمات الأهلية ووسائل الإعلام التي أخذت على عاتقها الإضاءة على هذا الموضوع، إلى درجة أنه أصبح قضيتها.

من الكوارث البيئية التي يعانيها لبنان، مجرى نهر الليطاني وبحيرة القرعون، هذه الكارثة البيئية التي أضاء عليها الأستاذ مرسال غانم، الذي حوَّل جزءاً من برنامجه إلى قضية الدفاع عن البيئة، تتطلّب معالجة عاجلة قبل أن يتحول الموضوع إلى معضلة شأنه شأن سائر المعضلات في البلد.

فمن مضمون ما أورد ضيوف الأستاذ مرسال غانم السبّاق دائماً في الإضاءة على كل ما يصيب المواطن في كلام الناس، إذ الحلقة كانت، ان تنظيف الليطاني يحتاج إلى نحو 23 مليون دولار، ويمكن لمجلس الوزراء تأمين هذا المبلغ.

صحيح أنَّ الإدارات الرسمية مسؤولة، لكن الشفافية تقتضي تسمية الوزارات المعنية:

فوزارة الصناعة مسؤولة عن مخالفات المصانع.

ووزارة البيئة مسؤولة عن مخالفات المقالع والكسارات والمرامل.

ووزارة الصحة مسؤولة عن نفايات المستشفيات.

ووزارة الداخلية مسؤولة عن مخالفات البلديات.

بهذا المعنى فإنَّ الحكومة مسؤولة بالتكافل والتضامن وبنسب مختلفة عن كارثة الليطاني وعن معالجته، وعلى كل وزارة أن تتحمَّل مسؤوليتها في هذا المجال، فعلى سبيل المثال لا الحصر، لا يجوز إعطاء تراخيص للمصانع من دون اشتراط محطات لتكرير المياه في هذه المصانع.

ولا يجوز معالجة الصرف الصحي سوى بمحطات التكرير.

ولا يجوز ترك الأمور على غاربها بل يجب تفعيل المدَّعين العامين البيئيين لإيجاد رادع للمخالفين.

هذا غيضٌ من فيض بعض المشاكل البيئية لكن السؤال يبقى:

إلى متى سيبقى المسؤولون يتفرجون على السموم تنهش بأجسام اللبنانيين وبطبيعة أرضه؟

كفى.