يحلو للبعض تشبيه الحوار الثلاثي الذي بدأ أعماله بالأمس بدعوة من رئيس مجلس النواب نبيه بري، بالحوار الذي استضافته الدوحة للاقطاب اللبنانيين عام 2008 والذي أسفر عن اتفاق أنهى الازمة اللبنانية ضمن سلّة متكاملة.

هذا التشبيه يصحّ من حيث الشكل، فالأزمة لبنانية والاقطاب لا يزالون انفسهم، والمشكلة تتعلق بانتخاب رئيس و​قانون الانتخاب​ات، لكن نقاط التشابه تنتهي عند هذا الحد.

اما نقاط الاختلاف فكثيرة وأولها ان لبنان ليس الدوحة، والمعطيات والتقديمات اللبنانية لا تضاهي تقديمات وإغراءات الدوحة، ناهيك عن أن الدور الاقليمي انحسر الى أدنى حدوده ويكاد يكون ملغى. واليوم يمكن فهم سبب الغطاء الأمني الدولي الممنوح للبنان، وهو تعويض له عن اللامبالاة السياسيّة الدولية. وفي هذا السياق يبدو أن حوار الدوحة الذي أفضى الى سلّة متكاملة، بعيد عن الحوار الثلاثي الذي يسوّق لسلة مثقوبة.

نجح بري في إدخال الجميع الى دهاليز الترقّب والانتظار، وهو الذي يدرك أكثر من سواه أن مفتاح الحل أصبح على الطريق لكنّه ليس متوافرا بعد. الترقّب اليوم ليس لإمكانية الحل، بل لموعده والذي ينحصر بين آب ونهاية العام وفق ما يتردّد لدى المعنيين.

بداية الحل ومؤشّراته واضحة وتمثّلت بلقاءات النائب ​سعد الحريري​ مع رئيس القوات اللبنانية ​سمير جعجع​ والنائب وليد جنبلاط، وحرصه على الإبتعاد عن مواقف النائب فؤاد السنيورة وسقفها العالي، فيما شكّل وزير الداخليّة ​نهاد المشنوق​ محطّة الدفاع الاولى عن الحريري. وليس أبلغ من صمت العماد ميشال عون طوال هذه الفترة والذي أدّى الى تفاهم نادر مع برّي في موضوع النفط، والى نسجِ خيوط العلاقة مع السعودية والحريري.

أما السؤال الانسب فهو ماذا سيعلق في السلة: هل هو قانون الإنتخاب ام انتخاب رئيس أو تفعيل عمل الحكومة بانتظار الفرج، في ظل عوائق عديدة امام التسوية الشاملة التي نجحت في الدوحة؟

بغضّ النظر عمّا سيعلق من مواضيع في السلّة، لا شكّ أنّ الرابح الأكبر من الحوار الثلاثي هو رئيس الحكومة ​تمام سلام​، فهو لن يخسر في مطلق الاحوال، حتى لو حصلت الاعجوبة وتم التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، فالفترة الممتدة بين الاتفاق والتنفيذ والانتخاب وتشكيل حكومة جديدة ستكون بمثابة دفع إضافيّ لحكومة سلام ولظهوره بشكل اكبر على الساحة.

الدفع المعنوي لسلام سيعني اطالة عمر الحكومة لفترة غير طويلة، ولكنه سيعني ايضا قطع الطريق كليا على اي كلام عن مؤتمر تأسيسي لدى المشكّكين. فوفق التطورات، وما تسير به الامور، سيتراجع الكلام حتما عن المؤتمر التأسيسي لتبقى قاعدة الحلول وفق المنطق اللبناني القائم على تقديم الاجوبة المرحليّة وليس الجذريّة، وهو أمرٌ يناسب جميع اللاعبين الإقليميين والدوليين، ويتناسب تماما وطموح اللاعبين المحليين الذين يرغبون في البقاء ضمن حدود اللعبة الى ما لا نهاية عبر اولادهم او من يختارونه.

وبالتّالي إنّ تراجع الكلام عن المؤتمر التأسيسي يقابله تقدّم على جبهة الحلّ المحلّي، في ما يعتبره البعض تحصيل حاصل بانتظار جلاء سريع لصورة الوضع في حلب والتعاون لحلّ المسائل في العراق وليبيا واليمن.

يومان يتبقّيان من عمر الحوار الثلاثي، لا ينتظر احدٌ ان يسفرا عن الحلّ، ولكنّ الأمل هو في ان يسفرا عن اتفّاق على الأسس الواجب اعتمادها لاستقبال الحلّ وايجاد الاسلوب والطريقة الأنسب لتوفير المخرج الملائم الّذي يرضي الجميع مرحليًّا، في انتظار مشكلة جديدة ومعضلة تستوجب تدخّلات دولية واقليمية.

ولا بدّ من سؤال في هذا السياق لمن يشدّد وينتقد لبنان لانتظاره الخارج لحلّ اموره العالقة، اليست الدول العربية كلّها على هذا المنوال؟ أليست هذه حال العراق وسوريا واليمن والكويت حين تعرضت لغزو عراقي؟ هل من شك في أنّ دول الخليج ستكون على الطريق نفسه فيما لو واجهت مشاكل مماثلة لما واجهه لبنان ودول عربية اخرى؟

كل الدول العربية متشابهة في هذا المجال، ولبنان لا يشذّ عن هذه القاعدة حكما.