يضحك مصدر رفيع المستوى في حزب "الكتائب" كثيرا أثناء إطلاع زائره على عنوان خبر ورد منذ مدة في احدى الصحف وارتأى الاحتفاظ بصورته على هاتفه الخاص... ينقل العنوان عن لسان رئيس حزب "القوات" ​سمير جعجع​ قوله: "سنسكتمل الضغوط التي نمارسها لتأمين نصاب جلسة انتخاب رئيس للجمهورية". يقرأه أكثر من مرة ويسأل: "يضغط على من؟ على حليفه الجديد والذي يدعمه لرئاسة البلاد رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون أم على حليف حليفه الاستراتيجي حزب الله؟ وهما الطرفان الرئيسيان اللذان يعطلان النصاب الذي يتحدث عنه"... ليعود ويتحدث عن محاولة لـ"استغباء" اللبنانيين لم يعد يجوز السكوت عنها.

العلاقة بين "الكتائب" و"القوات" ليست على ما يرام، وبالتحديد منذ قرّر جعجع دعم ترشيح عون للرئاسة واختصار القرار المسيحي بهذا الشأن فيهما، موجهين صفعة كبيرة لرئيس "الكتائب" النائب ​سامي الجميل​ كما لرئيس تيار "المردة" والمرشح للرئاسة ​سليمان فرنجية​... يحاول الطرفان (الكتائب والقوات) منذ حينها تصوير الأمور علنا وكأنّه لا تباعد لا بل تنسيق واستيعاب لمواقف بعضهما البعض، لكن في المضمون وبالحقيقة تختلف الأمور كثيرا، وخاصة لدى "الكتائب" الذي يتعاطى باستغراب كبير وامتعاض من تمسك جعجع بمواقفه، "لا بل وتماديه بخلق حجج واهية ومبررات لممارسات عون التي تطيح بكل أسس النظام الديمقراطي وتداول السلطة". هكذا يحلو للمصدر الكتائبي اختصار الموقف "القواتي" الحالي، معتبرا ان لا شيء يبرر ما يقوم به جعجع الا سعيه وراء وراثة العماد عون شعبيًّا، مضيفا: "لكن ما يجهله الحكيم أو يفضل حاليا التغاضي عنه، كي لا يتلو فعل الندامة باكرا، أن تيار عون اصلا مقسوم لأقسام وأجنحة، قسم يرأسه وزير الخارجية ​جبران باسيل​ وقسم يتبع للصهر الثاني للعماد عون قائد فوج المغاوير السابق الجنرال ​شامل روكز​، وقسم آخر سيستقيل من العمل الحزبي بعد رحيل العماد عون، وبالتالي ما سيرثه لقسم من هذه الأقسام، لن يكون كافيا لتحقيق طموحاته الشعبية، والأهم لن يكون مبررا مناسبا لانقلاباته السياسية التي باتت أشبه بالانقلابات الجنبلاطية (نسبة لرئيس اللقاء الديمقراطي النائب ​وليد جنبلاط​)".

ويعي العونيون ومنذ البداية خلفية "القرار الكبير" لجعجع بدعم ترشيح عون للرئاسة بعدما كان لسنوات طويلة عدوّه اللدود وبعدها منافسه الأول على الساحة المسيحيّة. هم ايضا يعرفون تمام المعرفة أن "التيار الوطني الحر" لن يكون على حاله بعد رحيل مؤسسه، ويقرون بانقسامات ستحصل، لكنّ مصدراً عونياً يعبّر عن قناعته بأن "كل هذه الأجنحة التي بدأت تتشكل ستجمعها رؤية العماد عون للبلد وافكاره الاصلاحيّة، وبالتالي فأيًّا كان من سيتبنّى هذه الأفكار فهو لن يشتّت المشروع الكبير، وستبقى المظلّة الوحيدة التي تجمع كل العونيين بوقتها مظلة العماد عون".

وبحسب مصادر سياسية معنية بالملف الرئاسي، فان المسيحيين يتحمّلون حاليًا وأكثر من أيّ وقت مضى مسؤوليّة استمرار شغور الموقع الأول لهم في منطقة الشرق الأوسط، لـ"تعنّتهم وتفضيلهم الأنا على المصلحة المسيحيّة كما الوطنيّة العليا"، وتعرب عن أسفها لانصراف باقي الفرقاء للهو بالواقع المسيحي الراهن لتمرير مخطّطات ومشاريع كبرى على مستوى المنطقة ككل، من دون أن يرفّ للزعماء المسيحيين جفن.

بالمحصّلة، وان كان هناك من يعتقد أن مسيحيي لبنان يستأهلون ما يصيبهم لرفضهم التوحّد أقلّه لفرض قرارهم بالملفّ الرئاسي، الا أنّه لا شك أن هناك من يغذّي وعن سابق تصور وتصميم هذا التشتّت المسيحي، والذي بان بأبهى حلله مع تدهور العلاقة بين عون وفرنجية، ليبقى متحكّما بالمشهد الداخلي وفارضا إيقاع الفراغ الذي يناسب تماما الإيقاع الملتهب السريع الذي ترقص عليه سوريا والمنطقة.