لا يحتاج كلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه لمناسبة الذكرى العاشرة لحرب تموز الى محلّلين او منجّمين لمعرفة أنّ خياره حول تبنّي رئيس تكتّل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية ونبيه بري لرئاسة مجلس النواب، هو خيار نهائي لا لبس فيه، ولا مجال للتفاوض حوله.

وترى مصادر سياسيّة انه بعد هذا الوضوح واذا لم يقرر عون الانسحاب من السباق، لا بد من ان تتحرك الامور في اتجاهين:

1-اما أنْ يقتنع رئيس تيّار "المستقبل" النائب ​سعد الحريري​، او يُقنع السعوديين بأن مستقبله السياسي ومستقبل النفوذ السياسي للملكة العربية السعودية في بيروت مرتبط بما سيقرّره الملك سلمان بن عبدالعزيز ويبلغه به.

2-اما بفرضيّة تبدو للمصادر مستبعدة وشبه مستحيلة، وهي ان يكون زعيم "المستقبل" واهم واكبر زعيم سني على الساحة اللبنانية، أمام خيارين لا ثالث لهما:

أ-أن يمتثل لما ستقرره السعودية في هذا السياق، سواء الانتظار او التعامل بسلبيّة مع اقتراح السيد نصرالله،

ب-الإتيان بمطالب وشروط سعودية مقابل الموافقة على وصول عون لرئاسة الجمهورية، او انه يعتمد خطا مغايرا، وهذا مرتبط بما يقرأه شخصيا من تصرفات حاشية الملك، وفي طليعتهم ولي العهد الامير محمد بن نايف ووليّ وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان حيال مستقبله السياسي وأزمته المالية، لأنّ هذا الملف بدأ يضغط بشكل ربما يسمح بتنازلات، خصوصًا وأن مرشحه رئيس تيّار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​ هو من 8 آذار وهو لم يَنْجَح في إقناع "حزب الله" بالتخلّي عن عون وان كان أعطى الحريري ضمانات بتولّي رئاسة الحكومة، إضافة الى نظرة وتوجهات المملكة بشكل عام الى الاوضاع في لبنان.

واشارت المصادر انه اذا صحت الاقوال التي ترددت في الآونة الاخيرة بأن ولي العهد الامير محمد بن نايف قرّر (وبناء على ما يعرف عن أمراء المملكة بأنه من الصعب عليهم غضّ النظر عن هفوة او رأي لحليف او صديق لهم، مغاير لرأيهم)، الانتقام من سعد الحريري لما نُسب إليه بأنه وصف بن نايف بـ"السفّاح"، فهذا يعني أنّ الحريري، أصبح خارج الإحتضان السعودي، وإنّ صرف هكذا احتمال في مستقبل رئيس تيار المستقبل السياسي سيكون بدون شك بلا رصيد.

واعتبرت المصادر أنه إذا كان باستطاعة ولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان إقناع والده الملك سلمان، بأن مصلحة المملكة في الملفّ اللبناني تقتضي أن يتناسى ولي العهد او يغض النظر عن مسألة الانتقام من الحريري، فإنّ من المحتمل أن يكون لرئيس تيار المستقبل فرصة جيّدة وجدّية للدخول مجدّدا في معادلة السعوديين الإقليمية وأن يكون رجلها في لبنان.

وبانتظار ردّة فعل السعوديين التي لا بدّ وانه سيتبلّغها من الملك حول عرض الأمين العام لـ"حزب الله" السيد نصرالله المبطّن، فإنّ مثل هذا الردّ يقرر موقف الرياض من الحريري ووضع الملف اللبناني.

وتوقّعت المصادر أنّه نظرا لعدم وجود بديل مقبول من باقي القوى السياسية اللبنانية بترؤس الزعامة السنية في لبنان، فإن من المحتمل أن تدرس الرياض برويّة كيفيّة تعويم الحريري تمهيدا لإيصاله الى رئاسة الحكومة، ولكن هذا الامر لا بد وان يكون مقرونا بقبولها أن يكون العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية.

ولاحظت المصادر كيف ان السيد نصرالله ردّ وبشكل غبر مباشر، (ومن دون أن يزعج نفسه فيسمّيه) على رئيس كتلة "الستقبل" النيابيّة النائب فؤاد السنيورة في إشارة الى ان حزب الله، وبالتحديد أمينه العام لا يزال يرى في شخصية سعد الحريري منفذًا للتفاهم، ويستبعد أيّ إمكانية للتعامل مع السنيورة او أيّ شخصية أخرى في تيار المستقبل.

كم لاحظت المصادر أيضًا أنّ نصرالله أشار في كلمته، وهذا هو عنصر جديد، انه رشّح عون والتزم بهذا الترشيح معه خلال الحوار ومنذ عام 2006، وان الضمانات باستعداد الحزب لأنْ يكون الحريري رئيسا للحكومة جاءت من نصرالله وليس من أيّ جهة أخرى، بمن في ذلك عون نفسه.

واعتبرت المصادر أنّ كل ما يتردد بأن زيارة وزير الخارجية المصري الى بيروت سيطرح خلالها مبادرة لحل الازمة الرئاسية، ليس دقيقا، لأنّ اللاعبين الأساسيين أصبحوا معروفين، وأنّ أيّ مبادرة خارج موقف حزب الله ومعه ايران، لن يكتب لها النجاح.

واستخلصت المصادر بأن الايام او الأسابيع القليلة المقبلة، وبعد كلام السيد نصرالله حول الملف الرئاسي، سترسم مسارا سياسيا مغايرا: امّا ان يأتي سعد الحريري بِرَدٍّ منطقي ومعقول والاّ يكون عامًّا او مبهمًا، (ردا مبهما من الحريري يعني ان الرياض لا ترغب في طمأنته حول مستقبله السياسي والمالي)، او أنّ السعودية لم تقرّر بعد منهجيّتها الجديدة حيال لبنان، وهذا بالتأكيد سيؤدّي الى إطالة الأزمة الرئاسيّة ومعها الانتخابات النيابيّة، ممّا سيضع لبنان فعليًّا أمام خيارات ربما لن تكون في مصلحة أحد.