يأبى شهر آب، على ما يبدو، أن يلملم أشياءه ويترك لبنان دون خروقات تُذكر في جدار الازمة الرئاسية المتفاقمة منذ العام 2014. فحتى ولو لم يُكتب له أن يكون الشهر صاحب الانجاز، الا ان كل المؤشرات الحالية توحي بأنّه سيكون شهرا حاسما على الصعيد الرئاسي، سلبا كان او ايجابا.

ولعل المبادرة الرئاسية الأخيرة التي تقدّم بها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والتي تمثّلت بانعطافة كبيرة في موقف الحزب لجهة اعلانه القبول بالسير برئاسة (رئيس تيار المستقبل) النائب ​سعد الحريري​ للحكومة المقبلة مقابل رئاسة (رئيس تكتل التغيير والاصلاح) العماد ميشال عون للجمهورية، هي التطور الأبرز الذي طبع الملفّ الرئاسي منذ فترة. فاذا كان هناك من تعاطى طوال المرحلة الماضية مع "التفاؤل العوني الرئاسي" على أنه مفرط وليس بمكانه، فهو اقتنع لا شك اليوم، أنّ الرابية كانت على اطّلاع على استعداد حزب الله للقيام بما قد يُعتبر "تنازلا" مقابل الإيفاء بالتزاماته لحليفه المسيحي الذي ملّ انتظار حركة جدية من قبل الحزب تسهل طريقه الى قصر بعبدا.

وبموازاة التطورات الرئاسية الداخلية، نقلت مصادر مطّلعة عن دوائر الفاتيكان أن الاخيرة فتحت أخيرا قنوات اتّصال مع واشنطن وطهران لتسهيل اتمام الاستحقاق الرئاسي، من دون أن تسوّق لإسم أي مرشّح أو حتى تحصر الترشيحات بـ"الأقطاب الأربعة". وترى المصادر أن لا أسماء ثابتة في السباق الرئاسي، وقد أثبت العامان الماضيان أن كل شيء متحرك في هذا الملف، ان كان من حيث الأسماء أو الترشيحات والتسميات، لافتة الى ان اسمي العماد عون ورئيس تيار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​ يبقيان الأكثر حظوظا بالتداولات الداخلية، الا ان الدوائر الغربية تتعاطى معهما كجزء من لائحة تضم اليهما الوزير السابق ​جان عبيد​، قائد الجيش ​جان قهوجي​، حاكم مصرف لبنان ​رياض سلامة​ والعميد المتقاعد ​شامل روكز​، معوّلة على أنّه اذا أراد عون التنحي لشخصية أخرى قد يكون هو الأقرب اليه، غير آخذة بعين الاعتبار أن الموضوع العائلي، والمنافسة بين الصهرين، في إشارة إلى روكز ووزير الخارجية ​جبران باسيل​، قد تطيح بسيناريو مماثل، لمصلحة أحد المرشحين السابق ذكرهم.

وتتعاطى المصادر مع التطور الذي طرأ على موقف حزب الله على أنّه "مناورة" حتى تأكيد العكس، وتقول: "أصبحنا تماما كتوما لا نصدق الا لنلمس لمس اليد"!

بالمقابل، تتحدث مصادر قريبة من حزب الله عن "فرصة ذهبيّة" يتوجّب على تيار "المستقبل" اقتناصها، لافتة الى أنّ الفيتو الذي كان يضعه الحزب على رئاسة الحريري للحكومة منذ العام 2009 سقط أخيرا بقرار بمدّ اليد وملاقاة الفريق الآخر عند منتصف الطريق لحلّ الأزمة الرئاسيّة التي باتت تلقي بثقلها على البلد ككل.

وتشدد المصادر على ان مبادرة حزب الله لن تبقى على الطاولة للأبد، لافتة الى أن لها سقفاً زمنياً لم يتم تحديده بعد، وتضيف: "الحزب لا يطلب من الحريري ترشيح عون للرئاسة بل فتح طريق بعبدا أمامه من خلال سحب ترشيحه للنائب سليمان فرنجية ومواصلة تأمين نصاب جلسات انتخاب الرئيس".

وتتجنب المصادر نعي المبادرة بعد البيان الأخير الذي صدر عن اجتماع كتلة المستقبل يوم الثلاثاء، لافتة الى انّه كان "أقل حدّة ولكنه بالوقت عينه لم يكن ايجابيا لملاقاتنا عند منتصف الطريق وتلقّف المبادرة". وقالت: "على كل حال فان البيان صدر عن الجناح المتشدد للتيار المتمثّل برئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة... فلننتظر عودة رئيس التيار النائب سعد الحريري الى بيروت فلا شك أنّه سيكون لديه ما يقوله وما يفعله".

وان كان بعض المراقبين قرأوا بشعار "عالمُرّة قبل الحلوة معك" الذي تم الترويج له أخيرا، تمهيدا لقرار جديد يتخذه الحريري بالملفّ الرئاسي قد يُظهره متراجعا أو متنازلا، استبعد آخرون الموضوع جملة وتفصيلا، ولفتوا الى انّه لو أراد الأخير السير بعون رئيسا لما رشّح فرنجية، حتى ولو حصل أخيرا على ضمانة من حزب الله بعودته الى رئاسة الحكومة.

بالمحصّلة، قد يكون من المفيد انتظار تبلور المواقف أكثر من مبادرة نصرالله للحسم ايجابا او سلبا بالمنحى الذي يتخذه الملف الرئاسي، الا أن ما قد يكون محسوما أن التنازلات الحاصلة توحي بأن هناك ما نضُج، سواء أكان على خلفيّة مجريات معركة حلب أو على خلفية التقارب الايراني–الروسي-التركي، بانتظار اشارة ما لتحوّل طارىء يعيد بعض الحرارة المفقودة تماما للعلاقات الايرانية–السعودية.