ليست المرة الاولى التي تدور فيها معارك ما بين ​الجيش السوري​ والوحدات الكردية، فقبل اربعة اشهر، اشتبك الطرفان بعنف على مدى يومين في القامشلي، قبل أن يُطوَّق الاشتباك بفعل نصيحة إيرانية – روسية، باعتبار أنّ ظروف استمرار المعركة وأسبابها لم تكن ذي جدوى، بل كانت إثبات وجود وصراع نفوذ ليس إلا، في ظلّ سيطرة ​الأكراد​ شبه الكاملة على الحسكة وريفها حيث هناك إدارة ذاتية متفق عليها ضمناً، يُستثنى من الخضوع لها فقط مربع أمني في القامشلي ومطار القامشلي وعدد من الأحياء في الحسكة.

قبل أيام، ومع إطلاق الرصاصة الأولى، بدت المعركة مختلفة تماماً عن سابقاتها. الاشتباك هذه المرّة لم يكن لأسباب شخصية، بل نتيجة قرارات متبادلة من الجانبين، بدأتها الوحدات الكردية بأوامر أصدرتها باجبار مجموعات الدفاع الوطني السوري على مغادرة مناطقهم، ما دفع الجيش السوري إلى الرد عبر طلبه من المقاتلين الأكراد الخروج من مناطق سيطرته. سريعاً، تطور النزاع بهجوم شنته وحدات الاسايش على المقاتلين السوريين، فردّ الجيش السوري بإطلاق بعض القذائف الصاروخية.

التطور اللافت في المعركة كان في اصرار الاسايش على اجلاء احياء الحسكة من المقاتلين السوريين ومحاولتهم التقدم باتجاه احياء سيطرة الجيش واستخدامهم مدفعية ثقيلة، ما اضطر الجيش وفقا لمصادر عسكرية إلى توجيه رسالة قاسية للاكراد لوقف الهجوم عبر الاستعانة لاول مرة بالطيران بهدف ان تدرك قيادة الحزب الاشتراكي الكردستاني جدية الجيش في ضرب الوحدات المقاتلة ان استمرت في محاولاتها. إلا أنّ هذه الرسالة السورية لم تجد نفعاً لدى الاسايش، اذ اكملوا هجومهم وبدت الأمور خارج السيطرة.

ووفقاً لمصادر متابعة، فإنّ الاتصالات لوقف المعارك بدأت منذ اللحظة الاولى للاشتباكات، لكنّ الاكراد كانوا مصمّمين على قراراهم بضرب القوة العسكرية للدفاع الوطني السوري والجيش السوري. وفي هذا السياق، تتحدّث المصادر عن مخاوف كردية جدية من الاتفاقات مع تركيا وامكانية اللعب بالورقة الكردية مقابل وضع اسس الحل في سوريا، لافتة الى ان الاكراد يريدون ضرب القوة السورية في المنطقة لكي لا تكون نواة لضربهم في المستقبل.

وتشير المصادر إلى أنّ القوات الحليفة للسوريين دخلت على الخطّ بسرعة، وحاولت الضغط على الاكراد لوقف الهجوم دون جدوى. وفيما تلفت إلى أنّ الاتصالات حتى غروب الجمعة، تكشف أنّ الشروط كانت متبادلة، حيث طالب الجيش السوري بانسحاب القوات الكردية من النقاط التي سيطر عليها والتوقف عن التصعيد، في حين كرّر الأكراد في المقابل مطالبهم بإخلاء المقاتلين السوريين أماكن اقامتهم الواقعة تحت سيطرتهم. عند هذا الحدّ، سقطت المفاوضات، كما تقول المصادر، وبثت قيادة الجيش السوري لاول مرة بياناً يتحدث عن سرقات ترتكبها الوحدات الكردية ويؤكد الرد على المهاجمين للحفاظ على وحدة الاراضي السورية، وهنا أيضاً، الرد الكردي لم يتأخر، بحيث هاجم حي النشوة في الحسكة واغلق طريق مطار القامشلي لمنع اي تعزيزات لوجستية، وقصف الجيش ليلا بالطيران مواقع للوحدات الكردية.

وتشير مصادر سورية عسكرية رفيعة المستوى إلى أنّ الجيش السوري لن يقبل بعد الآن بسيطرة الأكراد على المدينة، وتلفت إلى أنّ ما تصفها بـ"العجرفة الكردية" لم تعد مقبولة، موضحةً أنّ الجيش امتص عدة مرات التجاوزات الكردية وهو ترك الأكراد يصدرون القرارات ويعلنون الفدرالية ومررها دون اشكالات، مذكّرًا بأن الجيش استمر في تقديم السلاح للاكراد لمساعدتهم ضد تنظيم داعش لحين الدخول الاميركي على الخط، كما مرّر شحنات عسكرية روسية الى الاكراد.

وفيما تتساءل المصادر عمّا إذا كان الأكراد قد فقدوا صوابهم، تشدّد على أنّ العشائر العربية في الحسكة ترفض بشكل قاطع السيطرة الكردية على المنطقة رغم انها تقاتل الى جانبهم ضمن قوات التحالف الديمقراطي، وتلفت الى ان استمرار التعنت الكردي سيدفع الى انشقاق المقاتلين عن قوات التحالف، وتحذر من ان اي محاولة للتقدم ستلقى رداً عنيفاً من الجيش.

وختاماً، ترفض المصادر الحديث عن اي اتفاقات اقليمية، مشيرة الى ان الاكراد هم من بدأوا بالقتال ولم يبادر الجيش للرد الا بعد تفاقم الهجوم، وهي تحذر الوحدات الكردية من ان الجيش عازم هذه المرة على ضرب اي محاولة لهم للتقدم او فرض اوامرهم ونفوذهم.

المرحلة السابقة انتهت، والتعامل مع الوحدات الكردية سيختلف بعد الآن. هذه هي الخلاصة التي تؤكد عليها المصادر، خلاصة توحي بانتهاء مرحلة وبدء مرحلة جديدة، قد تصبح فيها كلّ الأسلحة مشرّعة...