تتداخل مصالح العديد من القوى الإقليميّة والدَولية في الحروب القائمة في الشرق الأوسط والمنطقة العربيّة حاليًا، وتحديدًا في كل من العراق وسوريا بشكل خاص. واللافت أنّه على الرغم من وُجود قوى مُتصارعة تتدخّل بشكل مُباشر أو غير مُباشر في هذه النزاعات، وتتواجه في بعض الساحات أيضًا، فإنّ توافقًا غير مُباشر ومُعلن إتخذ في ما بينها، ويقضي بإنهاء تنظيم "داعش" الإرهابي. وفي هذا السياق، يُمكن تسجيل ما يلي:

أوّلاً: منحت واشنطن أخيرًا "الضوء الأخضر" لإخراج مُسلّحي "داعش" من المُوصل، بعد أن وافقت بعيدًا عن الإعلام على مُشاركة "​الحشد الشعبي​" في العمليّة العسكريّة، شرط أن لا يدخل المدينة، بل أن يؤمّن السيطرة على كامل المناطق المحيطة، في تكرار لما حدث خلال عمليّة إسترداد الرمادي. وعُلم أنّ مبعوث الرئيس الأميركي للتحالف الدَولي ضد تنظيم "داعش"، بريت ماكغورك، يُكثّف إتصالاته لتأمين إخراج إرهابيّي "داعش" من أكبر مساحة مُمكنة من العراق في الشهرين المُقبلين، بهدف تعزيز موقع الحزب الديمقراطي عشيّة الإنتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، لرفع فرص فوز المرشّحة الديمقراطيّة هيلاري كلينتون أكثر فأكثر، من خلال كسب ورقة خارجيّة مُهمّة.

ثانيًا: لم تعد إيران تُخفي تدخّلها المباشر في أكثر من معركة حاسمة في المنطقة، حيث غالبًا ما يظهر قائد فيلق "القدس" الجنرال قاسم سليماني، وقائد القوّات البرّية للحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد باكبور، في مناطق نزاع حسّاسة، وفي طليعتها العراق، ومنها بالأمس القريب خلال معركة إسترداد الفلوجة. وعلى الرغم من المناوشات الكلاميّة المُستمرّة بين واشنطن وطهران، فإنّ العدو المُشترك المُتمثّل بتنظيم "داعش"، جعل التنسيق العسكري قائمًا بين الطرفين، حيث تُغير الطائرات الأميركيّة ضمن "التحالف الدَولي" على مواقع التنظيم، في الوقت الذي تُشارك قوّات إيرانية في الهجمات البرّية التي تُنفّذها القُوى المُوالية للنظام العراقي.

ثالثًا: من أبرز نتائج زيارة الرئيس التركي ​رجب طيب أردوغان​ إلى موسكو حيث إلتقى نظيره الروسي فلاديمير بوتين بالأمس القريب، التوافق على ضرورة مُواجهة "العدوّ المُشترك" المُتمثّل في تنظيم "داعش" في سوريا، حيث ترغب موسكو بإظهار نيتها الجدّية في قتال إرهابيّي "داعش"، للردّ على الإتهامات بحقّها بأنّها لا تُقاتل إلا التنظيمات التي تُشكّل خطرًا على النظام بما فيها تلك المُصنّفة "مُعتدلة"، إضافة إلى رغبتها في تدمير أيّ بنيّة تحتيّة أمنيّة قد تُستخدم في المُستقبل لتنفيذ عمليّات إرهابيّة ضد مصالحها في البلقان وداخل روسيا الإتحادية نفسها. في المُقابل، ترغب أنقره في إبعاد خطر العمليّات الإرهابيّة عن أراضيها والتي هدّدت إقتصادها وسياحتها بشكل كبير، وكذلك بمقايضة مُحاربتها لتنظيم "داعش" بمطالب أخرى، في طليعتها مسألة "الكانتون الكردي" على حدودها.

رابعًا: المملكة العربيّة السعودية باتت راغبة بضرب "داعش" بعد أن ضرب في عمق أراضيها، وبهدف تأكيد تمييزها الكبير بين التنظيمات الإسلاميّة التي تدعمها، علمًا أنّ دولاً إسلاميّة وخليجيّة أخرى حذت حذو السعودية، لجهة تصنيف تنظيمات إسلاميّة معادية بالإرهابيّة، وتنظيمات إسلامية أخرى موالية أو على الأقلّ غير مُعادية بالمُعتدلة، والعمل على تسويق هذا المنطق خارجيًا ودبلوماسيًا. وما تغيير أسماء بعض التنظيمات الإسلاميّة الطابع سوى مُحاولة في هذا الإتجاه.

خامسًا: الدول الغربيّة كلّها التي تعرّضت وتتعرّض لهجمات من جانب مُؤيّدي تنظيم "داعش" في أراضيها، باتت مُحرجة أكثر من أيّ وقت مُضى إزاء مواطنيها، وهي تُريد أن تبدو في موقع الذي يعمل على حماية أراضيه، وترغب بمُقاتلة من يُعرّض أمن بلادها ومواطنيها للخطر، الأمر الذي سيؤدّي إلى زيادة عدد الجهات التي تعمل بشكل مُباشر على ضرب وعلى إضعاف تنظيم "داعش" في المُستقبل القريب.

في الخلاصة، لا شكّ أنّ تنظيم "داعش" الإرهابي هو أضعف بكثير حاليًا ممّا كان عليه في السنتين الأخيرتين، والقرار بضربه صار اليوم أكثر جدّية من السابق، والهجمات ضُدّ مواقعه ومناطق نُفوذه مُرشّحة لأن تتكثف أكثر فأكثر في الأيّام والأسابيع والأشهر القليلة المُقبلة. والمُفارقة أنّ الدول الإقليميّة والدَوليّة التي تتقاتل بشكل غير مُباشر في ما بينها، والتي تعمل على تسويق مصالحها أوّلاً، صارت كلّها في موقع مُواجهة "العدوّ المُشترك" المُتمثّل في "داعش" الذي بدأ العد العكسي لنهايته كتنظيم فاعل، ليتحوّل مع الوقت إلى مجرّد عصابات إرهابيّة لها مؤيّدين في العالم، مثل تنظيم "القاعدة" قبله.