تفيد نتائج التحقيقات الأوّلية في الهجوم الإرهابي الذي استهدف حفلة زفاف كردي في مدينة غازي عنتاب، أنّه لم يكن عشوائياً، وتمَّ تنفيذه على عجَل، وإنّ القيادات السياسية التي أسرعت إلى اتّهام تنظيم «داعش» به لم تكن متسرّعة في توجيه اتّهاماتها، كما قالت بعض الأصوات من داخل تركيا وخارجها.وتشير التحقيقات إلى أنّ الفتى الذي استُخدِم في عملية التفجير لم يكن بمفرده، وأنّ الكاميرات الموجودة قرب المكان كشفَت هوية شخصين اقتاداه إليه، وهما على علاقة مباشرة بيونس دورماز أحد قيادات «داعش»، وأنّ الأدوات المستخدَمة في الهجوم وطريقة الإعداد له وتنفيذه لا تختلف عن الهجمات التي نفّذتها «داعش» العامَين الأخيرين في أنقرة ودياربكر وسوروج.

وتلفت المصادر الأمنية التركية الى أنّ هذا الهجوم هو محاولة ردّ مِن داعش التي لا تتبنّى عملياتها في تركيا عموماً حتى لا تعطي انقرة فرصة الردّ والتدخّل العسكري والامني المباشر ضدّها في سوريا والعراق على الضربة القوية التي تلقّتها في 11 آب المنصرم في غازي عنتاب نفسِها بعد عملية دهم واعتقالات نفّذت ضد كوادره وقادت الى توقيف زوجة دورماز وشقيقته وبعض عناصر التنظيم المدرجة اسماؤهم على اللوائح الحمر والرمادية لدى اجهزة الامن التركية، والعثور على كثير من الوثائق والاشرطة والرسائل الالكترونية بين خلايا الداخل وقيادات «داعش» في سوريا والعراق، الى جانب العشرات من الأحزمة المعدّة للتفجير.

وعلى الرغم ممّا يقال عن مسارعة الاستخبارات التركية الى تحذير قوات الامن عبر تعميم سرّي من محاولات رد انتقامية لـ»داعش» بعد هذه الضربة، وقد تستهدف الأماكن السياحية والتجمعات الشعبية، ولا سيّما منها التابعة لحزب «الشعوب الديموقراطية» الكردي بهدف محاولة إشعال فتنة عرقية في تركيا، فإنّ التنظيم نجَح في اختراق كثير من التحصينات الامنية في مدينة مِثل غازي عنتاب تستقبل عشرات الألوف من النازحين من المدن التركية المجاورة للعمل، وكذلك الألوف من اللاجئين السوريين المنتشرين في المدينة، وذلك عبر استخدام هذا الفتى في الهجوم لعدم وجود صورته او هويته في اللوائح المعروفة لدى اجهزة الامن التركية.

الربط بين اختيار المكان والطريقة والتوقيت قد يساعد اكثر على قراءة الحادثة ببُعدها الخارجي ومسألة استفادة كثير من اجهزة الاستخبارات الاقليمية من عملية تقع في هذه الظروف التي تسعى فيها تركيا للمصالحة مع اسرائيل وروسيا وتحسين علاقاتها مع ايران، وتستعد لاستقبال نائب الرئيس الاميركي جو بايدن وسط علاقات ثنائية متوترة، وتوجّه رسائل ليّنة الى النظام السوري الذي قرّر أخيراً التحرّك ضد وحدات «الاتحاد الديموقراطي الكردي» لتعطيل مشروع التفتيت والتقسيم والانسلاخ عن سوريا.

القيادات السياسية التركية تردّد في الاسابيع الاخيرة انّها تخوض حرباً مفتوحة على 3 تنظيمات تصِفها بالارهابية، هي «داعش» الأكثر وحشية ودموية و»حزب العمّال الكردستاني» التنظيم الاقدم في المنطقة، والكيان الموازي التابع لفتح الله غولن الأوسع انتشاراً ونفوذاً ودهاءً، وإنّ هذه التنظيمات بدأت التنسيق في ما بينها ثنائياً على الأقلّ بهدف ضرب تركيا ومصالحها في الداخل والخارج.

تركيا تستعدّ، وفق معلومات رشَحت في الساعات الماضية، لتمديد الساتر الإسمنتي الذي أنهت قسماً منه في المناطق الحدودية القريبة من مدينة أورفا في اتّجاه الغرب هذه المرّة، في محاولة لمنع التسلّل والاختراقات وتضييق الخناق على الجماعات الإرهابية التي تنجح في عبور الحدود، وبعدما اتّهمها عدد من العواصم وأجهزة الاستخبارات الغربية بعدم القدرة على مراقبة حدودها الواسعة مع سوريا، وهي ترى انّها على جبهة محاربة «داعش، نجَحت في توجيه ضربات قويّة لخلاياه في المدن التركية، لكنّ المواجهة العسكرية مع وحداته في سوريا والعراق هي الخيار الوحيد، وإنّ أنقرة التي فشلت في إقناع واشنطن بهذه الخطوة ستقدِم عليها عاجلاً أم آجلا بمفردها، أو مع شركاء إقليميين جُدد.

لكنّ السيناريو الأقرب هنا هو أن تشارك تركيا بثِقلها العسكري الى جانب قوات المعارضة السورية وبلا تدخُّل مباشر حتى الآن لتنفيذ اكثر من هجوم وانتشار جديد في مناطق شمال غرب سوريا بهدف القضاء على مجموعات «داعش» المتمركزة في إعزاز تحديداً ولسحب ورقة هذا التنظيم من يد واشنطن وحزب «الاتّحاد الديموقراطي الكردي» في سوريا، الذي اعلن مراراً أنّه يستعد لتوسيع انتشاره في اتجاه هذه المناطق الواقعة غرب نهر الفرات، المنطقة التي ردّدت أنقرة أنّها خط أحمر على القوات الكردية، لكن كلّ ما فعلته حتى الآن كان تذكير واشنطن بتعهّداتها والتزاماتها حول ضبط هذه الوحدات وسحبِها من هناك.

أمّا على جبهة الإطاحة بتنظيم الكيان الموازي، فالواضح أنّ أنقرة تستعدّ أيضاً للضغط على نائب الرئيس الاميركي جو بايدن الذي يزور أنقرة غداً بهدف إعادة غولن المقيم منذ أكثر من 15 عاماً في بنسلفانيا إلى تركيا، لمحاكمته بتهمة قيادة المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 تمّوز المنصرم، وأنّ تفكيك خلايا ووحدات جماعة غولن سيساهم في القضاء على هذا التنظيم الذي لم يزُل خطرُه بعد بسبب نفوذه وانتشاره الواسع في 140 دولة في العالم.