لا يمكن الوقوف على حقيقة الواقع اللبناني بمعزل عن ترابط الأزمات. لن تُنتَج تسويات دولية وإقليمية تُرتَّب فيها أنظمة المنطقة ويبقى النظام اللبناني المترهّل محكوماً بالطريقة المعمول بها حالياً. هناك لحظة حقيقة مقبلة لها علاقة بواقع لبنان. بأزمته السياسية. بطبيعة نظامه السياسي. بانسجام هذا النظام مع ما يحضَّر للمنطقة من حلول طال زمنها أم قصر.

أزمة لبنان أكبر من ملء الفراغ في قصر بعبدا. إنها أزمة نظام سياسي وأزمة حكم وأزمة إعادة توزيع للسلطة. أيّ انتخاب لرئيس جمهورية من دون مراعاة هذه الوقائع لن ينقل لبنان من ضفة إلى أخرى. إنما سيعيد إنتاج المشهد من جديد. ما دامت الوقائع الميدانية في الإقليم ستطول.

كلّ الحسابات التي راهنت في المرحلة الماضية على قدرة اللبنانيين على إحداث اختراق في الانتخابات الرئاسية غير حقيقية. الفراغ الرئاسي في لبنان مستمرّ، إذا لم تهدأ الأمور على خط الرياض – طهران.

قدّم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عرضاً واضحاً له علاقة بالرئاسات الثلاث في خطاب النصر في 12 آب الحالي. تعاطى البعض معه بمنطق الرفض المتواري خلف الكلام عن المؤسسات الدستورية والأكثريات التي تقرّر ورئيس الحكومة يختاره النواب. انطلق من معايير الواقع ومن الظروف الموضوعية. أعطى السيد نصرالله الرئيس سعد الحريري قوة دفع مرتبطة بالحوار غير المعلن بين الجنرال ميشال عون وتيار المستقبل. لكن سرعان ما تراجع لهيب العلاقة بشكل غير مبرّر بين الرابية وبيت الوسط.

لا تكمن مشكلة الشيخ سعد في رفض العماد عون، إنما في قدرته على تسويق خيار لبنان لدى السعوديين والأميركيين معاً. علماً أنّ الرياض الآن أضعف من أن تكون سيدة قرار في أزمات العراق وسورية والبحرين. تعبّر المتاهة التي تعانيها في حرب اليمن عن هذا الوضع. تترافق مع تقليص عدد المستشارين الأميركيين المشاركين في التحالف الذي تقوده المملكة في اليمن. شكلت الخطوة الأميركية إنذاراً بأنّ أفق هذه الحرب وصل إلى حدوده القصوى. أعلن المتحدث باسم البنتاغون آدم ستامب "حتى لو كنا نساعد السعوديين في ما يتعلق بوحدة أراضيهم، فإنّ ذلك لا يعني إحجامنا عن الإعراب عن القلق إزاء الحرب في اليمن وكيف تمّ شنّها".

لا يشكّل الموقف السعودي حالة مستهجَنة... لطالما كان لبنان موضع تجاذب من رعاته الدوليين والإقليميين. لذلك سيبقى غير جاهز في الوقت الضائع لاجتراح تسوية سياسية أو الاتفاق على سلة كاملة.

يقول قطب سياسي بارز "حينما تينع لحظة انتخاب رئيس سنكون إما أمام قرار البحث عن الياس سركيس جديد يدير الأزمة مرحلياً، وإما البقاء على ما نحن عليه من فراغ على أمل أن تأتي لحظة توضع فيها أزمات المنطقة على الطاولة بين الكبار ويُعاد ترتيب أنظمتها وتكون مقدّمة لمؤتمر تأسيسي لبناني يعيد إنتاج السلطة والمؤسسات من جديد، علماً أنّ حزب الله لن يقبل بأن يفرض أحد عليه رئيساً.

يحصل كلّ ذلك، في وقت دخل مصير الانتخابات النيابية المقبلة مرحلة الخطر. تبخّر القانون الانتخابي المنتظر. عاد الفرقاء السياسيون إلى الحديث في الغرف المغلقة من دون خجل وتحت حجج واهية عن التمديد للمجلس النيابي تقنياً لستة أشهر أو سنة كأقصى حدّ، أو إجراء الانتخابات النيابية في أيار المقبل على أساس قانون الستين.

جرى التداول في بعض الكواليس بهذين المحظورين. خرجت آراء، عندما طرح اعتماد النظام النسبي، تقول إنّ اعتماده يحتاج إلى تحضيرات. إذا ضاقت المهلة وجرى التوافق على إجراء الانتخابات النيابية على أساسه، لا شيء يمنع من تمديد تقني قصير من أجل إنجاز ما تستوجبه العملية الانتخابية على مستوى التدريب (أطقم الوزارة، الحملة الدعائية). ودعت آراء أخرى إلى الاتفاق على النسبية على أن تعتمد في انتخابات 2021 بينما تجري انتخابات 2017 على أساس النظام الأكثري، ويتعهّد الجميع بالاتفاق على النسبية.

إنّ الهمس عن التمديد ليس من فراغ. يأتي في إطار الترويج، بغضّ النظر عن أنّ الستة أشهر هي موضوعية ومقنعة وأبغض الحلال، من انتخابات وفق الستين، ستمدّد للمجلس الحالي أربع سنوات.

وسط استمرار المراوغة السياسية، لن تغيّر جلسة الحوار الوطني في 5 أيلول المقبل من مآل الواقع الراهن. لكن الأكيد أنّ النواب أعضاء اللجان المشتركة (الإدارة والعدل، الداخلية والدفاع، المال والموازنة) سيضيّعون أوقات فراغهم منذ اليوم بالانكباب على البحث في اللامركزية الإدارية. فهل سيلتزم المجتمعون النقاش على قاعدة الالتزام باتفاق الطائف، أم أنهم سيخرجون عنه، فهناك محاولات لتوسيع اللامركزية الإدارية باتجاه شيء من اللامركزية السياسية أو ما يشبه الـ*rojava اللبنانية؟

*منطقة الإدارة الكردية في شمال شرق سورية أو كما يسميها الأكراد Rojavayê Kurdistanê) أو كما يسميها حزب الاتحاد الديمقراطي اختصارا "روج آفا "الغرب، هي منطقة تحت سيطرة وحدات حماية الشعب في شمال شرق سورية بحكم الأمر الواقع.