لن يجد الكرد في شمال سوريا فرصة افضل للاعلان عن كيانهم الجديد؛ اقليم كردي يطلق عليه اقليم غرب كردستان يشابه اقليم كردستان العراق. الدولة السورية المركزية فقدت الكثير من قوتها ولم تعد قادرة حاليًا على وقف الطموحات الكرديّة التاريخية في ظل وجود توافق روسي-اميركي على منح الاكراد سلطة ذاتية خلافا للرغبة الاقليمية التركية-الايرانية، وبما لا يتعارض مع الاعلانات الدولية المشددة على وحدة الاراضي السورية. وما بين هذه المعادلات، أوحت الإشارات السوريّة التركية بوجود تقارب حول الاكراد، بالتزامن مع تراجع القوات السورية امامهم في مدينة الحسكة، وهو ما سيؤثر على اوراق الضغط السورية على تركيا ويعيد خلطها من جديد.

الحسابات متعلقة بالمعادلات المحلية-الاقليمية-الدولية، اذ إنّ دمشق ترى في الاكراد ورقة ضغط ضد الاتراك، والكُرد يدركون ذلك ويتحركون ضمن الاطار المرسوم لهم، فلا اعلان عن دولة ولا تخلٍ عن غطاء الشرعية السورية الذي ان فقدوه سيؤدي الى اجتياح تركي لـ"لدولة الجديدة"، لكن هذا لا يعني ان الاكراد لا يعملون على تأسيس نواة الدولة المقبلة شأنهم شأن الاقليم المجاور، والتأسيس ليس عمليّة عسكريّة يديرها القادة العسكريون بل هو منهجٌ وتخطيطٌ واضح المعالم وتفاصيل تؤكد اننا امام تشكيل نواة دولة تحت مسمى الفدرالية وهو امر اصبح واقعاً لا يمكن تجاوزه بسهولة.

ابرز ظهور لنواة التحول كان على الصعيد التربوي، اذ إن الادارة الذاتية فرضت العام الماضي مناهج تربوية باللغة الكردية على كافة المدارس للصفوف الثلاثة الاولى، ورغم ان القرار ادى الى تخبطٍ كبير وتوقف عدد كبير من المدارس بسبب رفض الحكومة السورية القرار وسحب المدرسين الرسميين منها، فان المنهاج الذي يركز على التعاليم والثقافة الكردية تم تدريسه للتلاميذ.

وفي الجانب الاعلامي، أمسك الكرد بكامل تفاصيل العمل الصحافي في مناطق سيطرتهم وفرضوا على الصحفيين أن يكونوا مسجلين باتحاد الإعلام الحر التابع للإدارة الذاتية، ومن ثم الحصول على موافقة من وزارة الإعلام الكردية في مدينة عامودا، كما يحظر على الاعلام السوري العمل نهائيا في مناطق سيطرتهم، بينما تأخذ بعض القنوات المقربة من دمشق موافقات مؤقتة كل ثلاثة أشهر.

واسست الادارة الذاتية قناة تلفزيونية خاصة اسمها رونهي تبث ساعة فقط بالعربية وباقي الساعات بالكردية ولديها صحيفة أسبوعية "رونهي" ومواقع الكترونية مستقلة داعمة للادارة الذاتية.

وأمسك الكرد بالأرض عبر تشكيل وحدات أمن وشرطة وجيش والشرطة الداخلية هي الأسايش وتنتشر أقسامها بالأحياء السكنية والقرى، وجيش يقاتل على الجبهات ويطلق عليه اليبكا، بالاضافة الى الإستخبارات، وهو عبارة عن جهاز سري يظهر فجأة ويختفي فجأة، كل هذه التشكيلات يستخدم العنصر النسائي فيها سواء شرطة او جيش او استخبارات. ونظم الكرد وحداتهم وأسسوا وحدات شرطة عسكرية وهم يلبسون نفس اليبكا لكن يضعون شارة حمراء كما تفعل الشرطة العسكرية السورية، بالإضافة الى شرطة مرور ويسمون الترفيك وهم ينتشرون بالقرى والمدن.

وفرض ​الأكراد​ التجنيد الإجباري لجميع الشباب من العرب أو الكرد أو المسيحيين من عمر 18 الى 35 سنة ومدة الخدمة عام كامل ضمنه دورة تمتدّ على ثلاثة أشهر ويمنح دفتر خدمة علم.

وانشأوا مديرية جمارك، حيث يتمّ فرض دفع رسوم على كل البضائع التي تدخل مناطق سيطرتهم، كما أسسوا مديريات تموين ورقابة وتجارة.

وفي إجراءات تنظيمية أخرى بدل الكرد لوحات السيارات من السورية الى الكردية واصبحت كل سيارة تسجل في مديرية النقل بعد ان تجمرك وتوزع نمر خاصة بهم بالاضافة الى إنشاء نقابة نقل وفرض ضريبة شهرية وسنوية.

وتتقاضى الإدارة الذاتية الضرائب والرسوم مقابل استجرار المياه رغم ان موظفي الحكومة السورية يشرفون على ادارة المياه ويتقاضون رواتبهم من الدولة السورية وتمنح الرخص لاصحاب المولدات الكهربائية وتدر الكهرباء عبر اشتركات شهرية.

وفي خطوة اراد الاكراد منها أن يفرضوا على جميع السكان التعامل مع الادارة الذاتية، طالبوا الاهالي بتسجيل بياناتهم عند "الكومين" (المختار) للحصول على الخبز وهو ما اضطر الجميع للتعامل بشكل رسمي معها.

عموماً، لا تقتصر الفدرالية او "الدولة غير المعلنة" على تلك التفاصيل، ففي الحسكة محاكم وتغيير لاسماء القرى واستغلال واسع للنفط في المنطقة ومعبر رسمي مع اقليم كردستان العراق، وما بعد المعركة الاخيرة تمكن الكورد كما يحلو لهم تسمية انفسهم من تثبيت مشروعهم اكثر وتدويله وان كانوا غير قادرين حتى الان على الاستغناء عن الدولة السورية.