بين آخر هذه السنة ومطلع السنة المقبلة، تستحق على لبنان سبعة مليارات دولار هي الفائدة على الديون، هذا المبلغ يشكِّل نحو نصف حجم الموازنة العامة للعام 2017، إذا ما أُقرِّت طبعاً.

هذا الرقم مخيف، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو:

ومن أين ستوفِّر الدولة اللبنانية هذا المبلغ؟

فالأعمال شبه متوقفة، والإستثمارات متراجعة.

دحضاً لهذه النظرية، أو الذريعة، يقول عالمون بالأوضاع المالية والإستثمارية في البلد:

لا ليس صحيحاً أنَّ الإستثمارات متراجعة، الإستثمارات في بعض القطاعات مزدهرة لكن أرباحها تذهب إلى الجيوب الخاصة وإلى المنتفعين وإلى عرَّابي الهدر والفساد.

يُعطون أمثلة على ذلك:

استثمار مواقف السيارات في مطار بيروت في ازدهار، ولكن إلى أين تذهب الأرباح الحقيقية؟

استثمار السوق الحرة في مطار بيروت الدولية في ازدهار، ولكن إلى مَن تذهب الأرباح؟

يتوقف العالمون عند هذه النقطة ويأخذون نفساً عميقاً ليقولوا:

السوق الحرة في مطار بيروت منجم ذهب، لكن مَن هُم الصاغة الذين يستفيدون من هذا الذهب؟

وكيف تتوزّع الأرباح؟

***

المفارقة المذهلة أنَّه في مثل هذا الأسبوع منذ واحد وعشرين عاماً، أي في آب 1995 تم توقيع الإتفاق بين المؤسسة العامة لتشجيع الإستثمارات إيدال، وبين الشركة التي ستشغل السوق الحرة في المطار، كانت مدة العقد 15 عاماً، تنتهي في العام 2010، لكن منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، تستمر الشركة المشغِّلة في أعمالها متذرِّعة بتسيير مرفق عام.

***

المفارقة الثانية أنّه في العام 2010، وعند انتهاء العقد مع الشركة المشغِّلة، انعقد مجلس الوزراء:

الجلسة مددت العقد مع سوكلين لكنها قفزت فوق ملف السوق الحرة التي انتهى عقد شركتها المشغِّلة. طرح وزير الأشغال غازي العريضي الصوت آنذاك، لكنه لم يلقَ آذاناً مصغية ولا سيما من الرئيس فؤاد السنيورة الذي كان رئيساً للحكومة آنذاك.

***

العقد في أساسه مجحفٌ للدولة اللبنانية، وهو أتى لمصلحة الشركة المشغلة التي بموجب العقد تدفع للدولة اللبنانية مبلغاً قدره 38 مليون دولار فقط عن كل فترة العقد، من خلال إشغالها مساحة 8000 متر مربع هي مساحة المحلات والمطاعم وغيرها. أي أنّها كانت تدفع مبلغ مليونين ونصف مليون دولار للدولة اللبنانية سنوياً.

في المقابل فإنَّ أرقام الربح تقوم على المعادلة التالية:

20 مليون دولار تقدم من أصحاب المقاهي والمطاعم شهرياً للشركة المشغِّلة باك، أي 240 مليون دولار سنوياً. فماذا تدفع منها للدولة اللبنانية؟

***

أكثر من ذلك، فإنَّ العقد في أساسه مخالفٌ للقوانين اللبنانية المرعية الإجراء:

فتأجير العقارات الداخلة ضمن أملاك الدولة حُدِّدَت مدتها بأربع سنوات فقط، فكيف تم تأجير الشركة المشغِّلة لمطار بيروت ل15 عاماً؟

أي أربع مرات زيادة عما يسمح به القانون!

***

يُضاف إلى ذلك أنَّ هناك عملية مخالِفة للقانون تصل إلى حدود الفضيحة:

هناك عمليات تسريب من المنطقة الحرّة المعفاة من الضرائب والرسوم إلى السوق المحلية، وهي عمليات تشمل كميات كبيرة من السلع الفاخرة والماركات والتبغ والعطورات ومستحضرات التجميل، وهي تتم بطريقتين:

الأولى من خلال تسريب هذه البضائع مباشرة إلى الأسواق اللبنانية، والثانية من خلال شراء السلع عند المغادرة والإحتفاظ بوَصْل السلعة من دون أخذها ثم الحصول عليها لاحقاً عند العودة، بموجب الوصل وإخراجها من مطار بيروت.

هذه وقائع مثبتة لدى معنيين بالماركات والعلامات التجارية الفاخرة، الذين يرون بضائع في الأسواق مشابهة لبضائعهم.

إذاً، الشركة المشغِّلة حسب المصادر المطلعة ترتكب مخالفات جسيمة إسمها التسريب والهدر والفساد، من خلال بضائع في السوق اللبنانية، في هذه الحالة تُوضَع المخالفات الجسيمة في خانة المحاسبة الضائعة في لبنان، اذ بوجود الرؤوس الكبيرة المسهلة والمسترة والرابحة والقابضة، التي لا يطالها لا القانون ولا من يحزنون.