ثمة مرحلة ضبابية تخيّم على المنطقة في الأشهر الثلاثة المقبلة، ريثما تنتهي الانتخابات الرئاسية الأميركية، وبعد أن ينجلي غبار المعركة ثمة شهرين ونيف إضافيين لتسلُّم الرئيس الأميركي الفائز سلطاته الدستورية، ما يعني استمرار انتشار الضباب، كما يرى أحد الدبلوماسيين الأوروبيين في بيروت، الذي يشدد على أن الأكثر حرجاً في هذه الفترة في المنطقة سيكون أتباع الولايات المتحدة الأميركية، الذين قد يصل بهم الأمر إلى صراعات متعددة الأوجه، يحدد بعضها على الشكل الآتي:

1- صدام داخلي في الدول التابعة الداعمة المموّلة للإرهاب والتكفيريين، ويشير هنا إلى ما يجري في تركيا بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة، التي أدت إلى إحكام قبضة رجب طيب أردوغان على تركيا، لكن هذه القبضة رخوة وغير متماسكة، لأن السلطان التركي يعمد إلى تصفية كل أخصامه ومنافسيه على شتى المستويات في الدولة والبلاد و"حزب العدالة والتنمية"، وهي ستبدأ في القريب العاجل بأحزاب المعارضة التركية، وتشير المعلومات إلى أن أكثر من مئة وخمسين ألف معتقَل بذريعة الانقلاب الفاشل، وربما حملت فترة الأشهر الأربعة الكبرى تطورات تركية واسعة، قد يكون أحد أوجهها انقلاب داخلي في "حزب العدالة والتنمية"، تطيح بأردوغان، أو تقلّم أظافره على الأقل، لكن في كل الحالات لن نجد أنقرة خارج حلف "الناتو"، رغم كل الضجيج حول هذا الأمر بسبب الحاجة المتبادلة لكلا الطرفين لبعضهما، خصوصاً موقع تركيا بالقرب من إيران وروسيا وسورية والعراق، وسنرى طلائع ذلك بعد زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن إلى أنقرة، حيث كانت مقدمة اللقاء حافلة بين الطرفين التركي والأميركي، من خلال اشتداد المعارك في منبج والحسكة وجرابلس، فمن جهة استقبلت مدفعية أردوغان ضيفها بالقصف على المواقع الكردية، والضيف مهّد لزيارته بجرعة دعم إضافية للأكراد في تلك المناطق، حيث يحاولون بواسطة "الاسايش" السيطرة على الحسكة والتقدم في أكثر من مكان.

2- ومن الأمثلة التي يقدّمها الدبلوماسي الأوروبي أيضاً، السعودية، التي يزداد غرقها في مستنقعات الحروب التي أشعلتها؛ ففي اليمن يتوسّع مأزقها، وتتفاقم خسائرها، وصارت المعارك في الأراضي اليمنية التي تحتلها السعودية منذ أكثر من ستين عاماً، خصوصاً في جيزان ونجران وما حولهما، أما في سورية فيتوسع المأزق السعودي، ويتعمّق في العراق، فلا تجد أمام انهيارات المجموعات التكفيرية سوى محاولة مدّ اليد إلى "الاسايش" الأكراد، فتفتح قنوات التواصل مع المسلحين في الحسكة، مبدية كل الاستعداد لدعمهم بالأموال الطائلة والسلاح من أجل مواجهة الجيش العربي السوري وإنهاكه.. ووفقاً لمعلومات الدبلوماسي فإن الرياض تحصر عداءها بالدولة الوطنية السورية وجيشها الذي ازدادت صلابته وجهوزيته.

3- في هذا الوقت، يرى هذا الدبلوماسي أن شقة الخلاف بين أجنحة الأسرة السعودية الحاكمة تتسع وتزداد تعمقاً، فإضافة إلى الصراع المتقد تحت الرماد بين ولي العهد محمد بن نايف وولي ولي العهد محمد بن سلمان، ثمة حركة بين أبناء عبد العزيز الذين ما زالوا على قيد الحياة، لوقف التدهور المريع في مملكة الكاز اقتصادياً وسياسياً وأمنياً وعسكرياً، في ظل الملك العليل وصراع وليي عهده، في نفس الوقت الذي يتسابق الأحفاد للبروز على واجهة التطورات العالمية، إذ بعد أن أعلن محمد بن سلمان عن تمويل عشرين بالمئة من معركة هيلاري كلينتون الرئاسية، أكد الوليد بن طلال أنه أنقذ دونالد ترامب مرتين من خطر الإفلاس، وهو الأمر الذي سيزيد من إحراج المرشحين، وسيدفع بمن يفوز ليكون أكثر عداء للسعودية.

4- ويشير هذا الدبلوماسي إلى التخبط السعودي على مستوى أتباعها ومنفذي أوامرها في أمكنة أخرى، خصوصاً في لبنان، حيث لا همّ للرياض إلا أن يعلن أتباعها معاداتهم للمقاومة وحزب الله، وخوض معارك صعبة معه، إن لم نقل مستحيلة، لأن حزب الله كما أكّد سيد المقاومة لم يعد قوة دفاع وحسب، بل بات قوة هجومية كبرى، قادرة على قلب وتغيير المعادلات، ولهذا فالسعودية لا تريد الاستقرار في لبنان، ولو كان بيدها القوة المؤهلة لذلك، لما تأخرت ثانية.. ولهذا يدعو هذا الدبلوماسي لمتابعة حركة الوزير المستقيل أشرف ريفي والجماعات السلفية والأصولية التي ينسّق معها، وباتوا يرفعون شعارات أكبر من أحجامهم في معاداة المقاومة وسورية وإيران، وحتى روسيا.. مشيراً هنا إلى زيارة وزير الخارجية المصرية سامح شكري إلى بيروت، والتي يصفها بأنها كانت زيارة استطلاع سعودية أكثر منها مصرية، بعد أن بات تحرُّك السفير السعودي غير ذي جدوى في لبنان، وربما لهذا السبب كان غيابه عن لبنان أثناء الزيارة، والذي قد يكون نهائياً، بانتظار تعيين سفير جديد يأتي ليسلمه مهامه.