كان "التيار الوطني الحر" شريكا في الحكم في الأعوام العشرة الماضية، ولاسيما بعد الانتخابات النيابية عام 2005، التي كرست العماد ميشال عون زعيما مسيحيا، باعتراف البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير في حينه عندما قال بعد اعلان نتائج هذه الانتخابات في المناطق المسيحية انه "اصبح للمسيحيين زعيم".

وبعد هذه الانتخابات انشأ التيار تكتلا نيابيا تحت شعار "التغيير والإصلاح" بقيادة العماد عون، وضمّ اكبر تجمع نيابي مسيحي في لبنان.

ولم ينسَ اللبنانيون المعارك والشعارات التي خاضها التكتل من أجل تحقيق مبادئه الإصلاحية، واشتبك مع تيار "المستقبل" وتحديدًا ضد رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة ونشر كتاب "الإبراء المستحيل"، لكن النتيجة لم تكن بمستوى الشعارات والجهود، ولم يتمكّن حتى من نقل مدير عام، او موظّفٍ صغير تحوم حوله شبهات الفساد ومخالفة القوانين .

في هذا السياق، ترى أوساط سياسيّة متعاطفة مع التيار الوطني الحر ان الجنرال عون وهو خارج النادي الذي تخرّج منه الشركاء الاساسيون في الحكم، مثلا كرئيس المجلس النيابي نبيه برّي، ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب ​وليد جنبلاط​، ورئيس الجمهوريّة الأسبق ​أمين الجميل​، وغيرهم من الزعماء السياسيين اصحاب النفوذ، لم يتمكّن من الانخراط في اجواء وطريقة عمل هؤلاء في إدارة البلاد، لكنه يتحمّل جزءا كبيرا من المسؤولية لانه كان شريكا، وان لم يتمكّن من تأمين حصته في هذه الشراكة.

وتشير المصادر في هذا الإطار، الى أن تحالفه مع حزب الله عزّز موقفه السياسي لكنه في المقابل حدّ من قدرته على تحقيق شعاراته في "التغيير والإصلاح"، لأسباب عديدة في مقدّمها أنّ شريكه في التحالف الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله الذي يشاطره نفس الرؤية في فساد الادارة، حالت ظروفه داخل الطائفة الشيعية دون أن يكون داعما وازنًا للتغيير الذي رفعه الجنرال، مثل دعمه السياسي.

وتلاحظ المصادر انه إضافة الى ذلك جاءت حسابات الجنرال عون "القاتلة"، عندما وافق على اختيار الآخرين لميشال سليمان لمنصب رئيس الجمهورية الذي هو اكبر منصب للطائفة المارونية.

وظل سليمان خلال ست سنوات في عهده، احد واضعي العصي في دواليب هذه القوّة المسيحيّة الكبيرة مانعا إياها ان تحرز ولو نقطة واحدة في خانة المصالح السياسية والإداريّة المسيحيّة.

وتعدّد المصادر نقاط ضعف اخرى في أجندة العماد عون التي لم تساعده في مسيرته الإصلاحية، منها عدم بذل جهد كافٍ لتوحيد كلمة الفريق المسيحي على غرار الاتفاق المتأخّر مع "​القوات اللبنانية​" إثر تفاقم ازمة الانتخابات الرئاسية.

وترى المصادر ان أمام العماد عون اليوم خيارين لا ثالث لهما، بعد إعلان رئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجيّة جبران باسيل التحذير الذي قيل أنّه الأوّل وهو مقاطعة جلسة مجلس الوزراء المقبلة.

الخيار الاول، هو ان تكون خطوته هذه مدروسة ويجب ان تحقّق شيئا من أهدافها، وهي عدم انعقاد الجلسة، وان يتبع ذلك توافق على إجراءات حكومية تؤمن الحدّ الأدنى من المطالب وتحافظ على استقرار الحكومة الذي على ما يبدو لا يزال المطلب الأساسي لحلفائه قبل خصومه.

اما الخيار الثاني وهو الاصعب على الجنرال وعلى البلاد، فهو فتح ملف الميثاقية وحقوق المسيحيين على مصراعيه، بغض النظر عن التحالفات القائمة خصوصًا وان المعطيات تشير الى ان حليف حليفه نبيه بري، هو من أشدّ الأشخاص في التصدي لخطوات الجنرال عون وفي المجالات كافّة.

وتؤكد المصادر ان تأمين نجاح الخيار الثاني يتطلب وقفة واضحة وصريحة من جميع القوى المسيحيّة الاساسية، وفي طليعتها حزب القوات اللبنانية، والبطريركية المارونية، والرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة، حيال ما يطرحه الجنرال ويوافقوه الرأي بوجود تجاهل من قبل الآخرين لدور المسيحيين، وان هذين الخيارين ربما يكونان السبيل نحو تحقيق جزء كبير من الأهداف الميثاقية ويسمحان للفريق المسيحي، من تحديد الشخصية التي تتولى المنصب المسيحي الاول في الدولة، وتكون لهم كلمة وازنة في إنجاز قانون جديد للانتخابات يؤمّن لهم التمثيل الصحيح.

وخلصت المصادر الى اعتبار هذين الخيارين وتنفيذ أحدهما بشكل لا يقبل التأويل، يؤمّنان اما الاستقرار الحكومي المؤقت، واما يؤديان الى فتح ازمة النظام على مصراعيها، توصلا الى تفاهم داخلي يجنّب لبنان مصيرًا مجهولا ترسمه قوى اخرى بعيدا عن مصالح لبنان واللبنانيين.