إنعقدت جلسة الحكومة من دون الأخذ بتحذيرات "التيّار الوطني الحُرّ" ولا بنصائح بعض الجهات السياسيّة الأساسيّة، وفي طليعتها "حزب الله". وإذا كان صحيحًا أنّ المخرج جاء على "الطريقة اللبنانيّة" بامتياز وتمثّل بإرجاء البحث في المواضيع المُهمّة، فالأصحّ أنّ هذه البدعة غير قابلة للإستمرار، لأنّ مواعيد الإستحقاقات داهمة وغير قابلة للإرجاء سوى لبضعة أيّام أو لبضعة أسابيع في أفضل الأحوال. وبالتالي، ماذا سيكون موقف الحكومة عند الوصول إلى نهاية المهلة الخاصة بالتمديد لكل من قائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس الأركان اللواء الركن وليد سلمان أو عدمه؟ وكيف سيتصرّف "التيّار" عندها، وهل سيكتفي بالمقاطعة وبرفض الإعتراف بالقرارات؟ وكيف سيتصرّف "حزب الله"، وهل سيقف فعليًا إلى جانب حليفه "البرتقالي" أم سيكتفي بالدعم الكلامي ليخذل بذلك العماد عون مُجدّدًا، كما سبق وحدث عند الاقتراع لصالح التمديد لمجلس النواب مرّتين، وعند تمديد ولاية المسؤولين الأمنيّين سابقًا؟

كل المعلومات المتوفّرة تُشير إلى أنّ تحديد موعد الجلسة الحُكوميّة المقبلة في الثامن من أيلول يهدف إلى كسب فترة زمنيّة مُحدّدة لإجراء سلسلة من الإتصالات والمحادثات، في محاولة لتدوير الزوايا، لكن في حال الفشل في إيجاد المخارج المناسبة، وهو الأمر المُرجّح حتى هذه اللحظة، فإنّ الجلسة الحُكومية ستُعقد بمن حضر، والقرارات المهمّة الخاصة بالتمديد لكل من قائد الجيش ورئيس الأركان ستتخذ، مع ما تتطلّبه من إجراءات إن داخل مجلس الوزراء أو خارجه عبر الوزير المعني. وبالتالي، إتّجاه الأمور حتى الساعة، هو نحو مُواجهة حتميّة جرى إرجاء موعدها لفترة محدودة لا أكثر ولا أقلّ. وبالنسبة إلى ورقة الميثاقيّة التي رفعها "التيّار الوطني الحُر" فإنّ قرار مُحاربتها مُتَّخذ من قبل الوزراء المسيحيّين المُتمسّكين بوزاراتهم أكثر من سواهم، خاصة أنّ "تيّار المردة" يرفض حصر التمثيل المسيحي بحزبين أو ثلاثة من دون تصنيفه ضمنها، والشخصيّات المسيحيّة خارج الأحزاب والمُصنّفة "مُستقلّة" ترفض حصر التمثيل المسيحي بالأحزاب السياسيّة دون سواها، والقوى الإسلاميّة المُمثّلة في الحكومة لا تريد منح "التيّار البُرتقالي" إمتياز حصريّة التمثيل، حتى لا يستخدم هذه الورقة في عرقلة أيّ قرار مُقبل لا يعجبه من جهة، وإستمرارًا في سياسة تهميش المسيحيّين المُستمرّة منذ العام 1990 من جهة أخرى.

وبحسب التوقّعات، فإنّ "التيّار" الذي تقدّم خطوة إلى الأمام، ليس بوارد التراجع هذه المرّة، لأنّه لم يعد يملك الكثير ليخسره، نتيجة تمرير سلسلة من القرارات خارج إرادته. وهو سيتعامل بجدِّية أكبر مع أيّ قرار للتمديد للعماد قهوجي، ويُحضّر نفسه لمُواجهة كبرى في حال الإصرار على إستمرار سياسة التسويف والمُماطلة في ما خصّ ملفّي الإنتخابات الرئاسيّة، وقانون الإنتخابات النيابيّة المقبلة، لأنّه يخشى تخييره لاحقًا بين "مُرشّح توافقي" أو إستمرار الشغور الرئاسي، وبين التمديد للمجلس النيابي الحالي مُجدّدًا أو إجراء إنتخابات جديدة لكن وفق القانون النافذ حاليًا، والذي يُبقي الناخب المسيحي عرضة لمزاج الناخب المُسلم وصوته الطاغي في الكثير من الدوائر. ويُخطّط "التيّار" لتصعيد تدريجي، لأنّه يعتبر أنّ الترابط قائم بين مسألة التمديد للقادة الأمنيّين، ومسألة إبقاء القانون الإنتخابي الحالي، ومسألة تحضير الأجواء لإنتخاب رئيس "توافقي"، وهو لن يقبل بذلك بأيّ شكل من الأشكال، إنطلاقًا من مبدأ عدم بقاء الكثير ليخسره! وعَين "التيّار" حاليًا هي على كيفيّة تصرّف القوى السياسيّة الأخرى مع القرارات التي سيتخذها تباعًا، لا سيّما حزب "القوات اللبنانيّة" وخُصوصًا "حزب الله". وبحسب المعلومات فإنّ "القوات" التي حاولت لعب دور الوسيط بين "التيّار" ورئاسة الحكومة، غير مُقتنعة حتى تاريخه بجدوى تحريك أيّ تظاهرات شعبيّة واسعة لشلّ البلاد، وهي خارج الحكومة الحالية أصلاً لتوافق أو تعارض على أيّ تمديد لكبار المسؤولين الأمنيّين، علمًا أنّها تميل إلى عدم مُعارضة التمديد إذا كان الخيار الآخر هو الفراغ في أعلى السلطة الأمنيّة الرسميّة.

وبالإنتقال إلى "حزب الله" الذي يُصرّ على إعلان عدم شعوره بالحرج إزاء الأزمة الحالية، فإنّه يُحاول قدر المُستطاع تقريب وجهات النظر، لكنّ جهوده في هذا الإطار غير مُثمرة حتى الساعة، حيث تبدو إعلاميّة أكثر منها عمليّة. ونقطة الإختبار الأساسيّة الأولى ستتمثّل بموقفه من قرار التمديد لكل من قائد الجيش ورئيس الأركان، حيث أنّ مُعارضته للتمديد إلى جانب "التيار الوطني الحُرّ" سيُشكّل ورقة ضاغطة حاسمة على كل الأطراف للمضيّ قُدمًا في تعيين قادة جُدد ولو بعد جُهد جهيد. أمّا في حال إكتفى "الحزب" بالمعارضة الكلاميّة كما في المرّات السابقة، وبالمُطالبة بمراعاة مطالب "الجنرال" من دون أيّ موقف عملي وفعلي إلى جانب هذا الأخير، فإنّه يكون بذلك على الطريق نحو أن يخذل العماد عون مرّة جديدة، حتى لو تحت عنوان عدم السماح بحصول فراغ أمني، وتحت عنوان عدم ترك البلاد من دون سُلطة تنفيذيّة قائمة.

وفي الختام، الأكيد أنّ المرحلة المُقبلة دقيقة، وفي حال لم تنجح الجُهود الحالية في تدوير الزوايا، فإنّ تصعيد "التيّار" آت وهو سيضع الجميع أمام خيارات صعبة لا مكان فيها للمواقف الرماديّة، والإحراج سيطال الجميع، الحلفاء قبل الخصوم، حتى ولوّ أعلنوا عكس ذلك! والأمور ستتجه عندها إلى أزمة نظام، رغمًا عن الجميع.