الرابية تحدّت سلام، فردّ سلام بغمزٍ من بري وتحدّى الرابية بجلسةٍ تحمل من فصول التحدّي ما يشبه ما يجمعه النمل طوال فصل الصيف قوتًا للشتاء. بطيئة، باهتة، هزيلة، ومرتبكة... صفاتٌ لا تظلم جلسة الأمس متى لُصِقت بها رغم أن بعض القرارات “غير المصيرية” رشحت عنها.

في الأمس أثبتت الجلسة الوزارية أن في البلاد معضلتيْ حكم وحكومة على السواء وأن في البلاد شغورَين وأكثر، أحدهما ماضٍ في التنكيل في الرئاسة الأولى، وثانيهما يستشعر به الوزراء أنفسهم في متن حكومتهم أخيرًا مع استقالة وزيرٍ كتائبي وتغيّب وزيرين عونيّين ووزير طاشناقي، وانسحاب وزير مستقلّ. ماذا في المحصّلة؟

جرعاتٌ من برّي

تكاد جلسة الأمس تكون أغرب جلسةٍ في تاريخ الحكومة الذي يعجّ بالمفاجآت والصدمات. غريبةٌ بانعقادها بلا مكوّناتٍ مسيحية رئيسة رغم إصرار المسيحيين السبعة الحاضرين على عدم تقزيم وجودهم بالتسليم بلاميثاقية الحكومة لمجرّد غياب أربعة وزراء مسيحيين عنها وانسحاب خامس هو الوزير ميشال فرعون اعتراضًا على مناقشة أمور تمّ الاتفاق على عدم مناقشتها قبل ساعات من إعلان سلام توجُّهه الى عقد الجلسة بدعمٍ واضحٍ وصريح من الرئيس نبيه برّي الذي بثّ في نفسه جرعات أوكسيجين بالوقوف الى جانبه من دون أن يعني ذلك زرع بذور الفتور مع التيار الوطني. هي ليست الحال نفسها بالنسبة الى وزيري حزب الله اللذين لم يكونا مرتاحين وخرجا فورًا ليسوّغا في الملأ بأنهما لم يشاركا كوزيري حزب الله في أي ملفٍّ مهمّ من دون وجود الحليف الماروني. وهو ما عكفت على إعادة التشديد عليه كتلة الوفاء للمقاومة محذرةً في معرض تعليقها على مقاطعة وزراء التكتل من “تهميش مكوّن أساسي في الحكومة".

بلا تنميق...

كيف كانت الجلسة المبتورة؟ ليست مشهدية توصيفها صعبة أو عصيّة على الكلمات، كما ولا تفترض تنميقًا في اختيار المصطلحات والنعوت: هي ببساطة جلسة أقل من عادية، غاب عنها 7 وزراء وصمدت بـ17 وزيرًا (مع غيابٍ غير واضح للوزير نهاد المشنوق) سبعة منهم مسيحيون. هؤلاء السبعة كانوا كافين بالنسبة الى وزراء الرئيس ميشال سليمان لتخرج منهم الوزيرة أليس شبطيني مصوّبةً على التيار الوطني الحرّ بأنه يكبّر نفسه أكثر من حجمه الطبيعي وبأن النوعية هي المهمة لا الكمية. كلامٌ لم يستدعِ ردًا مباشرًا من وزراء التيار ولا من مصادره التي قرّرت أن تقزّم “تعليقًا صادرًا عن جهةٍ لا تمثّل في قريتها فكم بالحري على مستوى الشارع المسيحي والوطن” في إشاة صريحة الى الرئيس السابق ميشال سليمان. وفيما بدا الحذر سيّد معظم الشفاه، حتى وزير الإعلام رمزي جريج الذي “كان ناقلًا للكفر لا كافرًا”، انطلق المصرّون على حضور الجلسة في منحها مزيدًا من الميثاقية ودعم سلام في مساعيه الى عدم شلّ العمل المؤسساتي مع وابلٍ من الاتهامات “للتيار المعطِّل”. ذاك التيار الذي فاجأه انعقاد الحكومة في غيابه من دون أن يردعه عن وصفها “بالفاشلة” ليقينه المسبق بعدم جرأة أيٍّ من المجتمعين على تجاوز غيابه من خلال مناقشة ملفات جوهريّة يتقدّمها ملف التعيين. أما على خطّ مقزّمي حضور التيار الوطني فالسلاح الأقوى بين أيديهم مزدوج المفاعيل: أولًا لا يجوز لفريق أن يعطّل العمل التنفيذي كلّما عنّ على باله موّال، وثانيًا هي ليست المرة الأولى التي تلتئم فيها الحكومة في جوٍّ من المقاطعة وتحديدًا مقاطعة وزراء تكتل التغيير والإصلاح.

الشيء الخجول...

ماذا فعلت الحكومة في النتيجة؟ الشيء الخجول هو العنوان العريض للجلسة. كثيرٌ من الكلام الذي يملأ الساعات الأربع المرسومة لها كي لا يُقال أن الوزراء ما إن دخلوا حتى خرجوا بما يمنح التيار ورقة رابحة. كثيرٌ من الكلام الغريب الذي لم يُفهَم منه ومن جدواه سوى المحطة التعريجية على ملف النفايات التي تشكّل عودتها الى الشارع ذروة القلق. وبما أن التلطّي خلف هذا الملف لا يعيّب، لا بل يمنح الحكومة أرصدة في عيون اللبنانيين المصدّقين بأن حكومتهم ستنقذهم من أزمة النفايات رغم أن كلّ المؤشرات تذهب في اتجاهٍ مغاير، كان لا بدّ من تحويل الجلسة الى منصّة لدعم وزير الزراعة أكرم شهيّب في مسعاه الى إبعاد شبح الأكياس الملوّنة عن الشوارع والأحياء، بالتوازي مع الحراك التحصيني لمكبّ برج حمود. أما عدا ذلك، فصفصفة كلام بطلُها تسويفٌ و”تمريق” تفاصيل لا يعارضها التيار الوطني في الأساس وعلى رأسها تلوُّث مجرى نهر الليطاني، ومشروع التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان، وإشغال أملاك عمومية بحرية في منطقة كفرعبيدا العقارية، وتخصيص محامين عامين وقضاة تحقيق لشؤون الصحة العامة، ونقل اعتمادات من إحتياطي الموازنة العامة الى موازنات بعض الوزارات للعام 2016، ومساهمة لبنان في المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص، وأخيرًا ملف النفايات.

موعدٌ بعيد...

بعيدًا يبدو موعد الجلسة المقبلة لغايةٍ غير مخفية محصورة في إتاحة الوقت الكافي للاتصالات والتنسيق بغية إعادة التيار الى الطاولة. في الثامن من أيلول جلسةٌ جديدة من التخبّط الحكومي المقلق لا سيما مع دَهم الوقت واقتراب انتهاء الولاية المُمدّدة لقائد الجيش العماد جان قهوجي. موعدٌ جديدٌ مع المجهول هذه المرة لا سيما أن الرابية قد تتّجه الى تصعيدٍ لا يصل بها حدّ الاستقالة على ما يشير عارفون، ولكن قد تكون لعبة الشارع على ما علمت “البلد” مسرحًا حيويًا بالنسبة اليها مرّة من جديد، كما وقد يكون قرار المقاطعة المزمنة محطّ تفكير جدّي متى بعث سلام في الجلسة المقبلة رسالة مشابهة الى أبناء التيار مفادُها: وجودكم كغيابكم.