خطوة برؤوس كثيرة يقوم بها "التيار الوطني الحر" وتبدو كحربة متعددة الاسنان فكيفما اصابت تجرح. الرأس البرتقالي الاول موجه في الدرجة الاولى الى البيت الداخلي الذي يحتاج الى "قبة باط" كبيرة او صغيرة، لا تفرق المهم ان تعيد شد العصب بعد الانتخابات البلدية والاختيارية التي شظت الجسم الحزبي وولدت حركة اعتراضية طفح كيلها منذ بدء اللعبة الديمقراطية في حزب "التيار الوطني". فأتت حركة التصعيد الحكومية الاخيرة لتمسح بعض آثار ندوب حركة الفصل الناشطة لبعض الرموز المؤسسة والمناضلة في التيار منذ التسعينات حتى اليوم مروراً بـ7 آب من العام 2001.

الرأس الثاني وهو حركة مبدئية تؤكد مصداقية التيار في رفضه التمديد اكان في مجلس النواب او في التمديد للقيادات الامنية في ظل وجود مرشح له لقيادة الجيش او عدم وجود. واذا كان العميد شامل روكز او غيره اكان في الخدمة الفعلية او متقاعداً. اليوم لا شامل روكز يخوض عمه العماد ميشال عون معركته الى قيادة الجيش بل هو متقاعد ومواطن بدرجة شرف. وهذه تحسب للتيار ومبدئيته انه يلتزم بشعاراته مهما كان لونها او طعمها او حجمها اكانت سياسية او شعبوية او مجرد فقاعات للبروباغندا الشعبية وللاستهلاك الاعلامي.

الرأس الثالث وله حساب مشروع الكرسي الاولى في بعبدا وتكسير صخور العقبات التي تكبر يوماً وتصغر اياماً. فمن جهة يهز العماد عون رؤوس البعض الحامية والرافضة لمجيئه، ومن جهة ثانية يعيد التذكير بأنه الممر الاساسي لاي حل رئاسي، ومن دونه لا رئاسة ولا مرشح ثانيا غيره اكان مدنياً او عسكرياً نائباً حالياً ام سابقاً وزيرًا متقاعدًا او وزيرًا شابًا الامر سيان.

وبالتالي لا مكان لقائد الجيش جان قهوجي والممدد له مرتين والثالثة على الطريق خلال اسابيع، فقهوجي يمني النفس ككل من سبقوه بالبقاء قريباً من "تحت" اي بعبدا كلما بقي على كرسي القائد العسكري الاول "فوق" اي اليرزة. وهذا طموح مشروع لا يُنازع عليه العماد قهوجي الذي خاض مع الجيش معارك كثيرة وحقق انجازات من دون اغفال الصدى السياسي لبعض الانجازات فالواقعية في العسكر مشابهة للواقعية في السياسة ولا احد "يغبّر" على احد في هذا المضمار.

والرأس الرابع في رفع السقف العوني هو اعادة الاعتبار للحضور العوني والمسيحي في الحكومة، اذ يشعر العونيون ان لا شيء يمشي معهم من قانون الانتخاب الى التعيينات الى وضع المسامير امام "زلاجة" عون الرئاسية الى بعبدا. وهنا يلعبون لعبة الميثاقية في الحكومة للضغط على الحلفاء والخصوم للذهاب الى جلسة 5 ايلول الحوارية بروح اندفاعية للحل وتقديم التنازلات من اجل تسهيل اقرار قانون انتخابي جديد.

الميثاقية او عدمها موضوع قابل للنقاش ومفتوح على كل انواع التأويلات، والاجتهادات الدستورية وواسع كأبواب التحايل على الدستور والالتفاف عليه التي لا تنتهي ايضاً. فالدخول وحده في جدل الميثاقية يبقينا سنوات وسنوات بلا نتيجة ونعلك الهواء كما حدث ويحدث منذ العام 2005 حتى اليوم.

في المقابل لا يستسيغ "حزب الله" لعبة الاستفراد بحليفه عون ولا يريد من احد ان يطوقه. فلا يكفي ان الرئاسة ممنوعة عليه حتى الآن ولا يريد الرئيس سعد الحريري وفريقه السياسي الاقدام على خطوة تقربه من معادلة عون للرئاسة مقابل الحريري في السراي. وحتى هذه اللحظة الحريري حائر ومرتبك بين جناح الصقور الرافض لعون في التيار الازرق والذي يقوده الرئيس فؤاد السنيورة وبين "الفيتو" السعودي المستمر والذي زاد تصلباً بفعل تمسك "حزب الله" وحليفته ايران وكل محور المقاومة بترشيح عون ولا احد سواه. ولن يتوقف دعم هذا الترشيح حتى يقول عون انه لم يعد يريد الرئاسة وهذا لن يحدث طبعاً.

و"حزب الله" المتمسك بتحالفه الراسخ مع عون لا يريد التفريط به او بوجوده السياسي والحكومي والرئاسي، هو ايضاً لا يريد ان يخسر البلد والحكومة وان يسلّم رأسه ورأس اللبنانيين الى الفراغ الكامل والفوضى الكاملة. لذلك يعمل "حزب الله" جاهداً في هذه الفترة على "دوزنة" الامور، من جهة يضبط الانفعالات والتصعيد العوني الذي لن يتخطى السقوف المرسومة: صوت اعلامي وسياسي عال ولا شارع ولا استقالة من الحكومة ومجلس النواب ولا مقاطعة للحوار. في انتظار ما ستؤول اليه وساطة حزب الله مع رئيس الحكومة تمام سلام وباقي الافرقاء. حيث ستعقد الجلسة المقبلة بعد جلسة 5 ايلول الحوارية وسيكون المخرج صيغة معدلة طرحها الرئيس نبيه بري اخيراً وتمزج بين النسبي والاكثري. وتركز على فكرة ترشيح كل طائفة عددا من المرشحين عن قضاء معين ويتم اختيارهم على اساس نسبي ولبنان دائرة واحدة. وهذا الطرح قابله طرح مشابه للتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية الا ان فؤاد السنيورة "قوطب" في جلسة الحوار الماضية على كل المشاريع المطروحة.

لذلك كله يستعد الجميع الى اسبوع ونصف حاسمين قبل موعد ايلول الحواري. وسيتداول الوسطاء والمحاورون بين الرابية وحارة حريك وعين التينة وكليمنصو وبيت الوسط افكارًا جديدة لقانون انتخاب نيابي جديد يعفي الجميع من احراج التمديد الثالث لمجلس النواب. كما يغيّر من لعنة مجلس نواب عمره 8 اعوام من المراوحة والعقم، فلم ينتخب رئيسا للجمهورية، ولم يقر قانونا للانتخاب فلا مفر من تغييره ولو على قانون الستين. فأي تقدم في ملف قانون الانتخاب قد يعيد تهدئة رؤوس العونيين ويمرر التمديد لقهوجي والقيادات الامنية بسلاسة، ويعيد البرتقاليين الى الحكومة السلامية بماء الوجه مع مكاسب اضافية على السلة العونية حتى يحين موعد الافراج عن كنز الرئاسة الاولى.