من السهل جداً أن يعرقل حزب الكتائب تنفيذ خطة ​النفايات​ مطالباً بإعتماد اللامركزية لمعالجتها، ولكن من الصعب جداً تطبيق هذه اللامركزية في بلد تغيب فيه الإرادة والقرار والتخطيط كما الحلول البيئية، لتحل مكانها الصفقات والسمسرات والعمولات ومن دون أن ننسى المجالس البلدية الفاشلة بغالبيتها الساحقة. وإذا أراد البعض الإستفسار أكثر فأكثر عن هذه الصفقات البلدية، يجب عليه العودة الى الأرشيف الحديث، وتحديداً الى وقائع الأشهر القليلة الماضية، وفي هذا السياق، يسأل أحد متابعي خطة النفايات على سبيل المثال لا الحصر، "كيف تحججت ​بلدية بيروت​ قبل الإنتخابات، بعدم وجود عقار ضمن نطاقها يصلح لمعالجة النفايات وفرزها وطمرها، مصرّةً على ضرورة أن تقسّم نفاياتها على مطمري برج حمود والكوستابرافا، وبعد الإنتخابات البلدية، تقدمت الى وزارة الداخلية والبلديات بطلب إنسحابها من الخطة لأنها تريد معالجة نفاياتها بنفسها وضمن نطاقها ليتبين فيما بعد أن الحل الذي تسعى الى تطبيقه لن يكون إلا عن طريق محرقة يريد أحد المقربين من تيار المستقبل تركيبها وتشغيلها وتوزيع عمولاتها؟"

نعم، إعتماد اللامركزية في معالجة النفايات ليس بالأمر السهل تطبيقه، وهنا يقول مصدر وزاري، "كثيرة هي المجالس البلدية التي بنى رؤساؤها ومرشحوها معاركهم الإنتخابية قبل شهر أيار الفائت على العنوان الأكثر دغدغة لمشاعر الناخبين في تلك الفترة، عنوان معالجة النفايات المنزلية من المصدر وصولاً الى المعمل وما بعده، وكثيرون هم رؤساء البلديات الذين وعدوا ناخبيهم بعدم تكرار مشهد تكدس النفايات أمام منازلهم ومحالهم التجارية، لأن معمل فرز النفايات ومعالجتها سيكون في القريب العاجل، منجزاً بعد استدراج العروض واختيار الأفضل منها من الناحيتين المادية والبيئية، لكن هذه الوعود بقيت حبراً على ورق المشاريع الإنتخابية المطبوعة، وما من شيء نُفذ منها".

فمنذ أيار الفائت وحتى اليوم، أشهر مرت على إعلان نتائج الإنتخابات، من دون أن تفتح بلدية واحدة معمل فرز النفايات الذي أنجزته لعدم تكرار الأزمة التي تكررت، ومن دون أن تلتزم بلدية واحدة بتطبيق خطة الفرز من المصدر التي تغنّى المرشحون بها قبل فتح صناديق الإقتراع، كل ذلك والبلديات على علم ودراية بأن الحكومة لا تزال تتخبط بإيجاد الحلول اللازمة لهذه الأزمة منذ 17 تموز 2015 يوم أقفل مطمر الناعمه بقرار سياسي، قبل أن يعود ويفتح بقرار سياسي أيضاً لإستقبال ما تجمع في الشوارع من نفايات بلغ وزنها مئات الآلاف من الأطنان.

نعم، الدولة تتخبط بصفقات مجلس الإنماء والإعمار ومناقصاته التي تلغى تارةً وتقر تارةً أخرى مع طرح علامات إستفهام عن أسعارها وعمولاتها ومقاوليها المدعومين سياسياً، والمجالس البلدية تتخبط أيضاً وتعيش تحت رحمة شركة سوكلين التي ما إن تتوقف عن جمع النفايات من حاوياتها لسبب ما، حتى تغرق الشوارع بها من جديد. فالمجالس البلدية التي وزعت آلاف المنشورات قبل الإنتخابات ونظمت حملات توعية لحث الناخبين على الفرز من المصدر بأكياس ملونة، لم تطبق يوماً هذا الفرز ولم تعد تسأل عنه حتى.

إذاً، بقدر ما تقع المسؤولية في ملف النفايات على الدولة، بقدر ما تقع أيضاً على المجالس البلدية، التي يتشاطر رؤساؤها على بعضهم البعض بالتباكي والندب ومناداة المسؤولين عندما تتكدس النفايات على الأبواب، متناسين أنهم مسؤولون أيضاً عن مناطقهم ونفاياتها.