«هُوَ مَلْعُونٌ: أَيْ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّه». هذا هو تحديد الكلمة في القواميس. هل كان يدرك كاتب «اللعنات» معنى هذه الكلمة قبل أن يورِّط بها جبران باسيل ابن البيت المسيحي، ورئيسَ التيار الوطني الحر ووزيرَ خارجية لبنان؟ إني واثق من أن زميلي ما كان ليتفوه بسلسلة اللعنات لو فَقِه معناها وأبعادها لأنه، وأياً يكن موقفه السياسي، فهو مسيحي مؤمن.

اللعنةُ ملعونة في المبادئ الأخلاقية والآداب السياسية وفي التعاليم الدينية، ولاسيما في المسيحية والإسلام. فالمسيح أزال اللعنة عن كل البشر بالفداء في العهد الجديد فرفعها عنا كما محا الخطيئة الأصلية.

وما عدا لعنة شجرة التين غير المثمرة، وليس كل أشجار التين، لم ترد هذه الكلمة لا في الانجيل ولا في أعمال الرسل. واتخذ المسيح ذاك الموقف الاستثنائي ليتم ما جاء في نبوءة ميخا (7 - 1): «ويلٌ لي فإني قد صِرتُ كَجَنَى الصيفِ كَخُصاصةِ القِطَافِ، لا عُنقُودَ للأكلِ وقد اشتهت نفسي باكورَةَ التِينِ».

والكنيسة التي استبعدت «الحُرُم» من تقاليدها، وهو أدنى درجة من اللعنة، حرَّمت اللعنة بين الانسان وأخيه أكان الآخَر قريباً أم عدواً. حتى أن المتحدثَ باسم الفاتيكان أبدى تحفظه على فيلم «اللعنة «The Omen» الذي أنتجه سنة 1976 المخرج الأميركي «ريتشارد دونير»، ولعِب دوري البطولة فيه «غريغوري باك» و»لي ريماك».

أما في الإسلام، فاللعنة قد تحل (بعكس هدفها) على الشخص الذي لعن بدلاً من الشخص المستهدَف في اللعن وذلك وفقاً لمشيئة الله الذي يختص وحده بإبطال أو تفعيل تأثير اللعنة أو عكس اتجاهها كما نجد في الحديث الشريف التالي نقلاً عن «أبي الدّرداء»: إن النبي محمد قال: «إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللّعنة إلى السّماء فتغلق أبواب السّماء دونها، ثُمّ تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها، ثُمّ تأخذ يميناً وشمالاً، فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لَعن، إلى قائلها».

لا يعتبر الإسلامُ اللعن من صفات المسلمين لذلك حذَر منه سواء أكان موجهاً بحق مسلم (حياً أم ميتاً) أو بحق كافر (حياً) أو بحق أي شيء أو دابة كما ورد في الحديث الشريف حسب «ابن مسعود» و»الترمذي»: «قال محمد رسول الله (صلم): «ليس المؤمن بالطعّان ولا اللّعان ولا الفاحش ولا البذيء». وقال النبي: «لا يكون اللعّانون شفعاء ولا شهداء يومَ القيامة».

وحده الدين اليهودي لا يزال يتساهل مع مفهوم اللعنة لأنها وردت تكراراً في التلمود والتوراة. وأبرز لعنات العهد القديم هي:

1. لعنةُ الأفعى لأنها أغوت حواء.

2. لعنةُ قابيل، وهو أول إنسان لعنه الرب لقتله أخيه هابيل.

3. لعنة ذررية كنعان ابن حام لأن كنعان حفيد نوح سخر من وجه جده.

4. لعنة الأرض عندما يقل خيرها وتنتج شوكاً وحسكاً.

5. لعنة موسى على بني إسرائيل حسب سلوكهم عبر الفصول.

6. لعنة يهوه الذي كان ينبغي عليه بناء مدينة أريحا - فلسطين ولم يفعل.

7. ولعنة أطفال بيت إيل من قِبل إليشع أحد أنبياء بني إسرائيل الذين كانوا دائماً يسخرون من الأنبياء.

بعيداً عن الأديان الثلاثة، لجأ كُهَّانُ فراعنة إلى اللعنة ليمنعوا المسَّ بمومياء ملوكهم؛ وأعاقت هذه اللعنة عالم الآثار البريطاني «هوارد كارتر» الذي اكتشف سنة 1922 قبر الملك الفرعوني «توت عنخ آمون» إذ كانت لعنة واضحة على قبره كتبها كاهن قديم مهدداً أي شخص ينتهك فناءه.

وفي عهد ملك فرنسا، لويس الثالث عشر، كان الوزير الملعون هو الوزير الذي «كرهه كل من تعرف إليه». وأخذ بعض المحيطين بالملك الفرنسي هذه البدعة من رواية شجرة الزقّوم في العهد القديم التي تنبت في جهنم حيث ورد أنه ملعون آكلها لأن كل من ذاقها لعنها».

وفي أوروبا الشرقية في القرنين السادس عشر والسابع عشر كانت السلطات الدينية أو المدنية تقطع لسان اللاعن. وسنة 1766، حكم البرلمان الفرنسي على أحد كبار النبلاء «لو شوفالييه دو لا بار» بالاعدام ثم الحرق بسبب الشتم واللعن. أما في المملكة العربية السعودية، فعقوبة القذف واللعن فهي 80 جلدة.

واضح أن من كتب خطاب اللعنات ما كان يعرف هذه المعطيات «الميثاقية» عن كلمة اللعنة»، إلا إذا تقصد توريط الوزير، صديقي جبران، الذي، أنا ضنين به، وأتوسم له مستقبلاً مفعماً بالبركات لا باللعنات.