ميشال عون لا يتزحزح، هو ماض في خياره التصعيدي ضد الحكومة طالما التمديد ولاية ثالثة لقائد الجيش قائم وطالما ان عرقلة انتخابه رئيساً من قبل قوى في الداخل تعيق وصوله الى قصر بعبدا حقيقة ثابتة ومعروفة من الجميع، وطالما يستمر دق المسامير في نعش التمثيل المسيحي، فان رئيس تكتل الاصلاح والتغيير لن يتراجع كما يقول المقربون منه وسيستمر في معركته لاصلاح الخلل وتصويب التمثيل المسيحي وهو الذي يحتل الترتيب الاحصائي الاول لدى المسيحيين، فثمة من يقرأ في التصعيد العوني جدية وحزماً لا سابق لهما، فميشال عون لم يعد لديه ما يخسره في السياسة وعليه ثمة من يشتم ملامح موقف تصعيدي يذهب البعض الى تسويق طرح حكومة عسكرية او الحديث عن فيدرالية وعن تطيير حكومة تمام سلام. الا ان هذا التصعيد في رأي اوساط كثيرة لا يحظى بمباركة او موافقة حلفاء الخط السياسي للرابية فرئيس المجلس يرفض اسقاط الحكومة وحزب الله يرفض الفراغ في الحكومة بعد فراغ قصر بعبدا، وثمة من بدأ يسوق لنظرية «حرد» عوني من الحلفاء على خلفية عدم التضامن في موضوع التعاطي مع الازمة مع الحكومة وباستمرار عون في المعركة ضد الحكومة رغم معارضة حلفائه لهذا الخيار. وهذا الموضوع بات واقعاً وفق اوساط العارفين في مسار العلاقة بين الرابية وعين التينة وحارة حريك، ويؤكد العارفون ان رئيس المجلس الذي انجز شبه تقارب غير مسبوق في العلاقة مع الرابية عاد الى المربع الاول فبري هو اقرب الى الجميع من ميشال عون وبالتالي فان رئيس المجلس يرفض ضرب الحكومة مهما كان الثمن في الظرف الحالي . اما حزب الله فيقول العارفون إنه يسير بين «النقاط والحروف» وهو يخشى ان يؤدي تطيير الحكومة الى تطيير البلاد وشلها ودخولها في الفراغ الممنوع في توقيت اقليمي حساس ودقيق فالارهاب الذي تسلل الى الداخل لا يزال جاثماً على الحدود، ويمكن تحريك الخلايا النائمة في اي وقت لهز الوضع الداخلي .

واذا كان ثمة من يتربص لمسار العلاقة بين حزب الله وعون، فيقول العارفون ان الرابية قدمت الكثير لحزب الله لكنها لا تريد استنزاف الحزب في معارك داخلية، ويكفي الى حد ما الموقف التاريخي لحزب الله بالوقوف الى جانب عون في معركة الرئاسة عندما تم حشر سليمان فرنجية ووضعه في مواجهة عون لاحراج حزب الله كما يكفي ان حزب الله يعتبر عون الممر الالزامي للرئاسة.

صحيح ان حزب الله يحافظ على الحكومة ويقوم بحمايتها لكنه يرفض في الوقت ذاته تهميش عون وتحجيمه، فوزراء حزب الله في الجلسات الوزارية يتفادون الاشتباك السياسي مع اي طرف، هو ضد الانسحاب من الحكومة لكن وزراءه لا يشاركون في النقاش في الموضوع الخلافي المطروح حول الميثاقية المسيحية والتمديد للقيادات العسكرية. وكذلك في الاشتباك السياسي بين عين التينة والرابية يقف حزب الله على الحياد على قاعدة ان لكل طرف حيثيته وخصوصيته .

وتؤكد الاوساط ان المناخ بين الرابية وحزب الله هو دائماً سليم، فتفاهم معراب بين «الجنرال والحكيم» لم يؤثر قيد انملة في تفاهم مار مخايل بل على العكس فان تقارب عون وجعجع رغم خطوة حارة حريك مع معراب تم تحييده عن علاقة بين الرابية وحارة حريك على اعتبار ان لكل تفاهم اهدافه وموجباته وخصوصاً ان حزب الله لا يمانع ان يؤدي هذا التفاهم الى انتاج رئيس للجمهورية وتعبيد طريق عون للوصل الى بعبدا. فما بناه حسن نصرالله مع عون في سنوات التفاهم يصعب هدمه في معارك السياسة، فاستحقاق التمديد الثالث ليس الاختبار الاول للعلاقة، سبق لحزب الله ان لم يشارك في معارك التمديد السابقة ولم يقع الخلاف او الافتراق. وعليه تسقط نظرية المراهنين، فاذا كان ميشال عون اثبت انه حليف استراتيجي وحقيقي وانه حليف الايام الصعبة والسوداء منذ حرب تموز الى المعارك الداخلية التي شنت على حزب الله، فان خيار ميشال عون في بعبدا لا التباس او شك في مصداقيته، وخيار عون استراتيجي بالنسبة الى حزب الله رغم نزعة الاول الى الثورة والانقلاب على ضوابط اللعبة السياسية التقليدية لتحصيل حقوقه المسيحية المشروعة. وحزب الله من جهته جعل ميشال عون في كل المفاوضات الحكومية تأليفاً وتكليفاً شريكاً اساسياً وصعباً، فحزب الله كان يربط مشاركته في حكومات السنيورة وميقاتي وسلام بشروط وموافقة ميشال عون، فذات يوم كانت حصة عون عشرة وزراء في حكومة ميقاتي.

ذات يوم قال السيد نصرالله ان موقف ميشال عون هو دين في رقبتنا حتى يوم القيامة، هذه العبارة لا تزال سارية المفعول مع كل الالتزامات الاخلاقية التي يطلقها حزب الله بتقدير الاوساط رغم ان حزب الله لا يشارك عون معركة اسقاط الحكومة، ويبقى وفق الاوساط ان تفاهم مار مخايل محصن وهو لم يسقط في محطات سابقة، فكيف الاحرى اليوم، ولا يمكن لاي طرف سواء من حزب الله او الرابية ان يسحب «يده من يد الآخر» مهما كانت الاسباب والدوافع، كيف وان فرص الوصول الى قصر بعبدا لحليف الضاحية لا تزال مطروحة.