كشفت شخصية سورية لصحيفة "الشرق الأوسط" إنه "في عام 2004 وخلال لقاء بشخصية اقتصادية سورية رفيعة أن الزعيم الليبي ​معمر القذافي​ طلب منه التوسط لدى "حزب الله" لحل قضية الإمام المغيب السيد موسى الصدر"، مشيراً الى ان "هواجس القذافي، كانت مرتبطة بأمن عائلته ورغبتهم في السفر إلى لبنان لقضاء بعض الإجازات فيه. ومعلوم أن هنيبعل القذافي ارتبط عام 2002 بعلاقة بعارضة الأزياء اللبنانية الين سكاف وتزوجا عام 2003".

ولفتت الشخصية السورية الى انها "نقلت الاقتراح الليبي، بالتسوية، إلى "حزب الله" بحكم علاقات متينة تربطها بأمين عام "حزب الله" السيد حسن نصر الله، وحسين خليل أقرب مساعديه، ولا تزال، علاقتها جيدة بالأخير"، موضحاً أنني "كنت مفوضًا بهندسة التسوية، لا سيما في الشق المالي الذي لم يكن عائقًا عند القذافي مهما بلغ".

وأشارت الى أن "حزب الله" الى أنه "يفرد مكانًا لمقام الصدر في أي من أحاديث مسؤوليه وخطاباتهم، كان منفتحًا على التسوية ومتحمسًا لطي ملف الصدر، وحدد ثلاثة مطالب لإنجازها. أولها تسوية مالية بقيمة 200 مليون دولار لإنشاء مشاريع تنمية ورعاية اجتماعية باسم الصدر يديرها "حزب الله" مباشرة. وثانيها تزويد "حزب الله" بأسلحة، لا سيما الصواريخ المضادة للدروع والعربات، روسية الصنع. وثالثها اعتذار عام من القيادة الليبية عن اختفاء السيد موسى الصدر".

واعتبرت الشخصية إن "الأموال لم تكن عائقًا، وإنها تتفهم حاجة "حزب الله" لإسكات منتقديه، جراء التسوية، وهو ليس مبلغا قد يرفضه القذافي. لكن كانت الخشية في البندين المتبقيين. فمسألة تزويد "حزب الله" بالسلاح لم تكن بالسهولة التي كانت عليها في أعوام سابقة، حين كانت ليبيا غير مهتمة بالانفتاح الغربي عليها. في حين أن الحذر الليبي، كما سيكتشف العالم لاحقًا، كان مرتبطًا باتصالات استخباراتية غربية بين القذافي وعدد من أجهزة المخابرات لا سيما البريطانية والفرنسية".

واكدت مصادر أخرى مطلعة على مشروع التسوية الليبية مع "حزب الله" لـ"الشرق الاوسط"، إن "مسألة تزويد "حزب الله" بأسلحة ليبية كان يمكن حلها من خلال إيران، لا سيما أن العلاقات العسكرية والاستخباراتية الإيرانية الليبية عميقة جدًا. فرغم قضية اختفاء الصدر، لم تتضرر العلاقات الإيرانية الليبية والسورية الليبية إلا لأشهر قليلة، عادت بعدها الأمور إلى تحالف استراتيجي شكل رافعة لنظام الخميني في حربه مع صدام حسين".

واوضحت الشخصية أن "ليبيا ما كان ممكنًا لها القبول باعتذار سيُعامل بوصفه اعترافًا ليبيًا بالمسؤولية عن مصير الصدر، وهو ما حدا بها لرفض هذا البند من دون الرجوع إلى القذافي. حينها اقترح حسين خليل، معاون السيد نصر الله، أن تعتذر ليبيا عن "اختفاء الصدر على أراضيها"، أي حصر الاعتذار بالمسؤولية المكانية للدولة الليبية وليس بأي مسؤولية جرمية، إذ إن "حزب الله" ليس مهتمًا بتجريم القذافي، ولم يكن مهتما يومًا، بقدر اهتمامه بعذر يقدمه للبيئة المحبة للإمام".

وكشفت أنني "وجدت في صيغة الاعتذار المقترحة نافذة مهمة لإنجاز الصفقة، وفي الليلة نفسها للاجتماع مع نصر الله ومعاونه غادرت إلى ليبيا على متن طائرة خاصة كان وضعها القذافي بتصرفها طوال فترة التفاوض مع "حزب الله"، وفي ليبيا، لم يتوقف القذافي عند شرطي المال والسلاح، لكنه رفض، حتى الاعتذار عن اختفاء الصدر على الأراضي الليبية بحسب اقتراح حسين خليل. فليبيا تتمسك بالوقائع التي تفيد أن الصدر غادر ليبيا على متن الخطوط الجوية الإيطالية قبل اختفائه، وأنه وصل إلى إيطاليا ودخل الفندق برفقة مساعديه".

ونقلت الشخصية السورية الرفيعة عن القذافي إنه "كان واثقا أن التسوية ستخلق اشتباكًا شيعيًا شيعيًا، ما يعني أن عائلة الصدر قد تستغل أي صيغة اعتذار لتكوين ملف قضائي ضد القذافي، وهو ما سيجعل التسوية في الواقع بلا مضمون، أو أقله من دون المضمون الذي أراده النظام الليبي منها، فتوقفت محاولة التسوية عند هذا الحد، فلا القذافي نجح في تجاوز عقدة الاعتذار ولو بأخف صيغه ولا "حزب الله" كان مستعدًا لتجاوز ورقة الاعتذار لأنها تغطي تصفيته لواحدة من أهم القضايا الحساسة في المجتمع الشيعي".

وأشارت مصادر لبنانية مطلعة على الملف لـ"الشرق الأوسط" الى إن "الجانب الإيراني كان متحمسا لحل هذه الأزمة، وقد قام بعدة محاولات في هذا المجال، لكنها اصطدمت بواقع رفض حركة "أمل" ورئيسها، أي نقاش في هذا الملف لحساسيته المفرطة، خصوصا أن الصدر يعد من الشخصيات اللبنانية الشيعية الأرفع، وغيابه فتح المجال أمام الخميني للتمدد إلى لبنان بسهولة أكبر من غيابه".

وتحدث المصدر عن "تلاقي مصالح بين إيران والنظام السوري" في إخفاء الصدر، وبالتالي اختفائه في بلد يعد حليفا وثيقا للجانبين، ولم يكن معروفا عنه العداء مع الصدر وفريقه".

وشدد مصدر قضائي لبناني متابع لسير التحقيقات لـ"الشرق الأوسط" على إن "القضاء اللبناني يعتبر أن هنيبعل لا يزال يكتم معلومات مهمة من شأنها أن تقدم أدلة للتحقيق للكشف عن مصير الصدر"، مشيرًا إلى أن "القذافي الابن تحدث في إحدى جلسات الاستجواب عن أنه سمع أن الأمام الصدر ورفيقيه كانا في أحد المعتقلات السياسية في ضاحية من ضواحي طرابلس، واعترف بأن عددًا من أركان الحكم المقربين من والده، كانوا مسؤولين عن عملية اختطاف الصدر"، معتبراً أنه "بات عنصرًا من العناصر الأساسية في التحقيق، وهو الموقوف الأول في هذه القضية منذ 38 عامًا".