انتظرها "التيار الوطني الحر" من وزراء "تيار المستقبل" في الحكومة، بعد مقاطعته لجلسة الحكومة الأخيرة، فإذا بها تأتيه "صاعقة" من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ووزراء رئيس الجمهورية السابق ​ميشال سليمان​.

صمت "المستقبليّون"، بل إنّ بينهم من قرّر "التضامن" ولو بشكلٍ غير مباشر مع "العونيين"، كوزير الداخلية ​نهاد المشنوق​ الذي فُسّر غيابه عن الجلسة بهذا المنحى، فتصدّر بري وسليمان "المواجهة" بالنيابة والوكالة، قاصفين "الجبهة العونية" بشتّى أنواع الأسلحة.

وفي حين تفاوتت ردود فعل "العونيين"، انسجاماً مع "اجندتهم" المرتبطة بانتخابات الرئاسة قبل كلّ شيء، بقيت المفارقة "الفاقعة" أنّهم خدموا عمليًا سليمان، من قصدٍ أو من غير قصد...

من نزل لمستوى من؟

منذ إعلان "التيار الوطني الحر" عن مقاطعته لجلسة الحكومة، والتشكيك بـ"ميثاقيتها" باعتبار أنّ الوزراء المسيحيين المستقلين لا يتمتعون بأيّ حيثية شعبيّة تخوّلهم تمثيل الشارع المسيحي، وهو يخدم رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، الذي وجدها فرصة للعودة إلى الواجهة السياسية من الباب العريض، مستفيداً من الهجوم "العوني" عليه، وهو المفترض أنّ دوره السياسي انتهى يوم خرج من القصر الجمهوري في بعبدا.

لم ينزعج سليمان عندما سمع وزيري "التيار" ​جبران باسيل​ و​الياس بو صعب​ ينتقدان مشاركة وزرائه في الجلسة الحكومية، ولم يشمئزّ على الإطلاق من خطابهما المعادي، مستنداً ربما إلى مقولة أنّه "لا ترمى بالحجر الا الشجرة المثمرة"، وبالتالي، فإذا كان رئيس الجمهورية السابق بلا طعم ولا لون، كما يردّد العونيّون دائمًا، وإذا كان فعلاً لا يقدّم ولا يؤخّر في المعادلة السياسية، كما يقولون ليل نهار، ما كانوا ليرشقوه بالحجارة لهذا المستوى، وفقاً لمنطقه. وانطلاقاً من ذلك، قد يكون سليمان هو من أوعز للوزيرة المحسوبة عليه ​أليس شبطيني​ للتنقّل بين الشاشات والإدلاء بدلوها، هي التي أظهرت خلال اليومين السابقين عن نشاطٍ غير مسبوق، وأبرزت قدراتٍ عالية في فنون الردّ والخطابة، تفوّقت خلالها على الوزيرين باسيل وبو صعب، مستفيدةً حتى من "السخرية" التي اعتمدها "الخصوم" ضدّها، خصوصًا بعد حديثها عن "النوعية والكمية"، موحين وكأنّ المعركة "شخصية" معها، من دون أن يتّضح السبب الكامن وراء ذلك.

ولعلّ الخطوات "الميدانية" التي لجأ إليها بعض "العونيين" أتت لتزيد الطين بلة، ولا يمكن للشعور بالاستفزاز بسبب "تحدّي" سليمان لعون عبر وزرائه تبريرها، خصوصًا أنّها لم تبدُ محترفة على الإطلاق، سواء لجهة خروج بعض الملثّمين لتغيير اسم "ساحة فخامة الرئيس العماد ميشال سليمان" في جبيل لتصبح "ساحة فخامة الرئيس العماد ميشال عون"، أو لوضع علم "التيار الوطني الحر" أمام منزل شبطيني. وبعيداً عن تقييم هذه الحركات، التي قد لا يختلف اثنان على أنّها لا تمتّ للسياسة بصلة، فإنّها أظهرت عون وكأنّه يسجّل هدفاً في مرماه، عن طريق تقديم "خدمات مجانية" لسليمان كان بأمسّ الحاجة إليها، ليقول أنّه "ما زال هنا"، وهو ما تُرجِم سريعًا من خلال إطلالة "المنتصر" التي خرج بها سليمان، "مباركاً" سلفًا لقائد الجيش العماد جان قهوجي التمديد له، في خطابٍ لم يُرِد منه سوى الإمعان في "استفزاز" الجنرال.

ماذا يفعل بري؟

وإذا كانت "الخسارة" العونية الأولى في المعركة الحكومية تمثّلت في تكبير حجم سليمان، فإنّ الخسارة الثانية التي لا يُعتقد أنّها كانت في الحسبان، تمثّلت في فتح "جبهة جديدة" مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، يدرك "العونيون" أنّ الوقت ليس ملائمًا لها، وما سكوتهم على ما يصفونه بـ"استفزازات بري ومناكفاته" سوى خير دليلٍ على ذلك.

ففي وقتٍ كان "التيار" يهدف باعتكافه لإحراج رئيس الحكومة تمام سلام ومن ورائه "تيار المستقبل"، كانت المفاجأة غير السارة بالنسبة لـ"العونيين" أن يتطوّع "حليف الحليف"، أي رئيس المجلس النيابي ليكون لهم بالمرصاد، مصعّداً في وجههم، و"مزايداً" على خصومهم في قصف "جبهتهم"، عبر رفض تعطيل الحكومة لأيّ سبب، كما التذرّع بالميثاقية، التي يوصَف بأنّه "عرّابها".

وفي حين "بلع" العونيون عدم مقاطعة حزب الله لجلسة الحكومة معهم، وذهبوا لحدّ اعتبار ذلك "خدمة" لهم بشكلٍ أو بآخر، باعتبار أنّهم استطاعوا بهذه الخطوة منع النقاش بأيّ ملفّ حسّاس داخل مجلس الوزراء، فإنّ ما لا يزالون عاجزين عن فهمه هو "تصعيد" بري المتصاعد إزاءهم، هو المعروف بحفاظه على "شعرة معاوية" مع خصومه قبل أصدقائه.

وعلى الرغم من اعتمادهم "ضبط النفس" إزاء بري، انطلاقاً من حساباتٍ "استراتيجية"، وذهاب أوساطهم للحديث عن موقفٍ "مغايرٍ" سيتخذه بري عند "ساعة الجدّ"، فإنّ سلبية "الحلفاء المفترضين" تجاههم كان خسارة ثانية، أكثر دوياً من الأولى، خصوصًا أنّ شعورهم بـ"المرارة" لم يخفَ على أحد، وقد عبّر الوزير السابق ​وئام وهاب​ عنه خير تعبير حين تحدّث عن "حرب على عون" يشنّها البعض، وذهب لحدّ مناشدة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله للتدخل لوقف ما أسماه بـ"ظلم الحلفاء".

"المستقبل" يتفرّج...

وبين الخدمة المجانية التي أعطيت لرئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، والمعركة المجانية وغير المجدية التي فُتِحت مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، تبقى الخسارة الأكبر والأكثر دوياً بعد الاعتكاف "العوني" متمثلة بالموقف "المستقبلي"، وإن كانت هذه الخسارة هي نتيجة طبيعية للخسارتين السابق ذكرهما. فبدل أن يشعر "المستقبل" بالضغط والإحراج، كما سعى "الوطني الحر"، أتت هذه الأزمة لتعزّز موقفه وتقوّيه، مُضعِفة في المقابل الخطاب القائل بأنّ الكرة في ملعبه، وبأنّه وحده من يعطّل إرادة المسيحيين حين يتمادى برفضه انتخاب المرشح المسيحي الأقوى، ومن توافق المسيحيون على انتخابه، أي العماد ميشال عون.

على العكس من ذلك، كان "تيار المستقبل" يتفرّج على هذه المعمعة، وهو مرتاح، لدرجة أنّه لم يشعر بالحاجة لأن ينبس ببنت شفة، حتى أنّ أحد وزرائه، أي نهاد المشنوق، اختار أن يسلّف "العونيين" موقفاً لم يتوقّعوه بغيابه المقصود عن جلسة مجلس الوزراء، فاتحاً المجال للتأويلات والتفسيرات. ولعلّ الهدف الذي استطاع "المستقبل" تسجيله هزّ شباك "​8 آذار​" مجتمعةً، أو كما يحلو للبعض القول، أتى في مرمى "حزب الله وحلفائه"، ففي وقتٍ لا يزال الحزب متمسّكاً بمقولة "الاختلافات" داخل التيار "الأزرق"، لحدّ وصف النائب ​نواف الموسوي​ أعضاءه بـ"الإخوة الأعداء"، يرى البعض أنّ هذا التصنيف قد يليق بالحزب وحلفائه أكثر، وتحديداً به وببري، الذي وإن لم يكن موظفاً عند الحزب، كما يردّد دوماً، إلا أنّه يفترض أن يكون للأخير "مونة" على الأقلّ لتجميد هجومه على عون، لا أكثر.

وأبعد من هذا الهدف، بدا "المستقبل" مطمئنًا أكثر لخروج "التيار" أخيراً عن "دبلوماسيته المزعومة"، التي حاول صبغ نفسه بها اعتقاداً منه أنّها ستوصل "جنراله" إلى قصر بعبدا، وعودته للخطاب الذي يمثّله أكثر منها، ألا وهو خطاب "اللعنات"، الذي اعتمده رئيس "التيار" جبران باسيل في وجه جميع من يختلفون معه في الرأي، وهذه أيضاً نقطة يراهن "المستقبليون" على الاستفادة منها في القادم من الأيام، ولغير صالح "العونيين" بطبيعة الحال...

دقّت ساعة الحسم!

طبعًا، لا يُلام "العونيون" على كلّ الخسائر التي تكبّدوها نتيجة الموقف "المبدئي" الذي اتخذوه برفض التمديد للقيادات العسكرية. فإذا كانت مواجهتهم مع رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان "غلطة معلم" ارتكبوها عن سابق تصوّر وتصميم، فإنّ "معركتهم" مع رئيس المجلس النيابي لم تكن مطروحة حتى في "السيناريوهات" التي يفترض أنّهم وضعوها نصب أعينهم مسبقاً.

هنا، لا يُلام العونيون، ولكنّ عليهم أن يدركوا أنّ "ساعة الحسم" قد حانت، لأنّهم إن استمرّوا بسياسة "الدبلوماسية" و"المهادنة" على "أملٍ ما"، فإنّ "الخسائر" ستأتيهم مضاعفةً، ولن يكون "الندم" خياراً متاحاً لهم بطبيعة الحال...