«على قدر اهل العزم تأتي العزائم» وهذا المثل الذي يبدو اقل تعبيراً لاختصار مجهود رئيس المحكمة العسكرية الدائمة العميد الركن الطيار خليل ابراهيم الذي يمتاز باللينة حيناً وبالشدة احياناً اخرى، لكنه في نهاية المطاف يصل الى اكمال احجار فسيفساء المخططات الارهابية التي غالباً ما تعمل على الفتيان الذين يفتشون دائماً على اظهار قدراتهم في ظل مجتمع يعيش حالة بؤس مزر، يعيش على هامش المجتمع المترف الذي يحيطه، عندها يلجأ الى الانتقام منه عبر السلاح الارهابي الذي يرتقي به مادياً ومعنوياً ودينياً كون الوعود بالجنة والحوريات يكون بمثابة حافز لشد العود.

لن ندخل في اسماء المتهمين وهم الذين لم يبلغوا سن الرشد رغم مرور 14 شهراً على توقيفهم مع احد الراشدين.

هؤلاء القاصرين الذين اثارت قضيتهم العديد من التساؤلات عما تعرضوا له خلال التحقيقات ومدة توقيفهم وما حصل مؤخراً في مكان توقيفهم انتهت مراحلها البارحة مع ختام الاستجوابات، والتي تبين في جزء من افادات المتهمين انه في مرحلة حاول بعض «نجوم عالم الارهاب» ومنهم اسامة منصور الذي لا يمر اي ملف ارهابي دون ورود اسمه وهو في هذه القضية «طلب تجنيد شبان قاصرين بالسن لتنفيذ اعمال انتحارية كونه يسهل تجنيدهم واللعب بفكرهم وعقيدتهم بسهولة».

وبالعودة الى وقائع الجلسة فان عنصر الجذب هو المجموعات الاخبارية التي يتلطى خلفها الارهابيون حيث بامكانهم بث سمومهم تنوعت افادات المتهمين لناحية التهم منهم من رسم له ان يكون من الانتحاريين وآخرون في مرحلة ما يسمى «بالانغماسيين» مع تصورات وبدائل في حال فشل العملية في حين كان قد عهد الى آخرين وفق التحقيقات الاولية بمراقبة بعض الاشخاص لتصفيتهم الذين يعتبرونهم مخبرين للسلطات اللبنانية.

كما ان اللافت في الاستجوابات ان احدهم برر سيره في هذا المنحى خوفاً من التهديدات بالقتل له ولافراد عائلته على خلفية انهم من انصار سرايا المقاومة.

لكن الابرز كان ما ورد على لسان احدهم لناحية وصف «هيئة العلماء» للجيش اللبناني «بجيش الطواغيط» وباستفسار رئيس المحكمة عن صحة ما افاد به، عاد المتهم ليؤكد الامر وانه كان يرد على لسان جميع المشايخ ولا سيما الشيخ سالم الرافعي الذي لم يتوجه اليه شخصياً بهذه العبارة.

وتابع المتهم ان اسامة منصور كان يحادث الجميع عبر المجموعات الاخبارية، وهو كان يتباهى بسرد هذه الامور ليظهر نفسه امام رفاقه.

المتهم المذكور سابقاً تميزت افادته بصراحة مطلقة وهو الذي قصد مخيم عين الحلوة رغماً عن ارادة والديه وذلك طمعاً بلقاء «ابو الزهراء» (اسامة الشهابي) الذي كان يسمع عنه اخباراً تتعلق بقوته وهو دخل المخيم سعياً وراءه ولكنه عاد ادراجه بعد مرور حوالى اسبوع، خضع فيها لبعض الدروس الدينية على يد «ابو مصعب» مساعد «ابو الزهراء» لكن صوره خلال التظاهرة التي نظمت اثر انفجاري مسجد التقوى والسلام وهو يرفع راية «داعش» كانت عادية آنذاك وتم توزيعها على جميع الناس وقد ترافع المحامي اسامة شعبان عن موكله حيث اكد في مرافعته ان موكله لم ينتم الى جبهة النصرة بل كان يتردد الى المسجد للصلاة وكون عمه منضوياً ضمن سرايا المقاومة وبسبب الجو الذي اشيع عن امكانية استهدافهم كعائلة بدأ يظهر تعاطفه خوفاً وهو كان يعلم انه من بين المطلوبين للسلطات وقام بتسليم نفسه وهذا دليل على عدم انتمائه للنصرة التي لا يجوز تسليم النفس شرعاً ومن خلال التحقيقات الاولية والاستنطاقية، لم يتبين اي فعل جرمي.

اما الامر الذي شكل مفاجأة لأكثرية الموجودين في القاعة هو ما ورد في مرافعة احد المحامين عن قوله فيما يتعلق بأحد الفرق الامنية عندما قال ما يسمى بـ « الفهود» الامر الذي دفع بالنائب العام المفوض القاضي داني الزعني بالقول :« غير مسموح التعرض لمؤسسة قوى الامن الداخلي وهي فرقة تأسست عام 2004 تحت اسم «الفهود وفرقة مكافحة الشغب». كما دفع برئيس المحكمة الى التوجه الى المحامي بشكل حازم قائلاً ان الفرقة التي تتحدث عنها هي تشكيل امني تابع لقوى الامن الداخلي وليس كما اوردت في كلامك ما يعرف بـ«الفهود».

وقد ركز المحامي المذكور على التحقيقات الاولية والتعذيب والاعترافات التي انتزعت من المتهمين القاصرين دون وجود مندوبة الاحداث الامر الذي دفع بالسيدة نسرين فرحات التي حضرت الجلسة كي يتم انهاء الملف ومعرفة مصير هؤلاء الفتيان رغم ان موظفي الجمعية في حالة اضراب كونهم لم يحصلوا على رواتبهم وهي بذلك خالفت قرار الجمعية، لكن وفق ما توجهت به الى رئيس المحكمة انها خرقت القرار لأسباب انسانية وهو من صلب مهامهم، لافتة الى ان زميلها كان حاضراً عند استجواب القاصرين في وزارة الدفاع.

اما المحامي رشاد العلي فقد أكد انه يقف الى جانب هؤلاء القاصرين ايماناً منه بأنهم جزء من هذا المجتمع الذي عليه تحمّل مسؤوليتهم كاملاً، لافتاً الى ان المرة الاولى التي يسمع فيها بعبارة المغررين في وصف القاصرين المدعى عليهم في هذه القضايا. لافتا الى ان علم النفس الجنائي بدأ يهتم بهذه الظاهرة التي اصبحت عالمية وبدأ بدراسة ووضع معايير للتحرير ومراحله، بداية عرض الافكار والاستدراج وبداية البرمجة الفكرية الى حد الانغماس.

وتابع المحامي وبقياس هذه النظرية المعمول بها عالمياً على نموذج القاصرين الموقوفين نلاحظ بشكل واضح وجلي انهم ما زالوا بمرحلة عرض الافكار.

وبغض النظر عن النظريات النفسية والمعنوية وبعرض المعيار المادي عليهم نلاحظ ايضاً انه معدوم كلياً بانتفاء الارتكاب الجرمي او حتى محاولة ارتكابه.

وبالنظر الى التعامل الدولي مع هذه الظاهرة في اوروبا وفي منظمة مكافحة الارهاب الدولي نلاحظ بأنهم يطبقون نظرية عدم التشديد في العقوبة على القاصرين المغتصبين فكرياً والتوسع بفرض اجراءات وقائية لحمايتهم وحماية المجتمع.

وبالعودة الى وقائع هذه القضية يتأكد انهم ما زالوا بعرض الافكار حيث انه لا يوجد اي منهم قد درب على السلاح او تلقى تدريب ميداني وخلص الى طلب تبرئة المتهمين وفي حال تم احالتهم الى محكمة الاحداث ان يكون مرفقاً باخلاء سبيلهم لافتاً الى ان المحكمة العسكرية عودتهم منذ بداية الاحداث في طرابلس الى اليوم على عدالتها وكي لا يتم وسم السجل العدلي لهؤلاء الفتيان بـ5 سنوات تمنعهم من العودة الى الحياة.