في صيف العام 2007 دفع ​الجيش اللبناني​ أكثر من 170 شهيدًا ومئات الجرحى في معركة ضارية إستمرّت على مدى 105 أيّام إنتهت بالسيطرة الكاملة على مخيّم "نهر البارد". وهو منذ ذلك الحين يعمل مع باقي القوى الأمنيّة الرسميّة، على منع تكرار هذا "السيناريو" الدموي في مخيّم "عين الحلوة" حيث يختبئ مئات المطلوبين للعدالة، وحيث يتواجد آلاف المُسلّحين الفلسطينيّين الموزّعين على تنظيمات مختلفة، إضافة إلى إنتشار ما بين 60 إلى 80 ألف شخص مدني على مساحة جغرافية بالكاد تتجاوز الكيلومتر المربّع! فهل يُمكن أن يتسبّب توقيف وحدة تابعة لمديرية المخابرات في الجيش اللبناني للفلسطيني ​عماد ياسين​ المعروف بأمير "داعش" في المخيم، بانفجار الوضع وبوقوع ما كان يجهد أكثر من طرف لمنع حُصوله؟

لا شكّ أنّ القوى الأمنيّة الرسميّة اللبنانيّة، بمختلف أجهزتها، تصرّفت بدرجة عالية من الوعي في الأشهر والسنوات القليلة الماضية إزاء الوضع الدقيق والحسّاس في مخيّم "عين الحلوة"، وبالتحديد منذ نموّ "الحالة الإسلاميّة" فيه، وبعد تواجد "نواة" لتنظيم "داعش" الإرهابي بداخله. وفي الأسابيع القليلة الماضية، نجحت الأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة في دفع عشرات المطلوبين بمذكرات توقيف إلى الخروج من المخيّم وتسليم أنفسهم للمُحاكمة، بعد أن جرى تعميم أجواء داخل المخيّم بأنّ من يُسلّم نفسه سيخضع لمُحاكمة عادلة وسريعة، من دون أي تأخير أو إبطاء في بتّ ملفه، ومن دون أيّ شكل من أشكال التعذيب. ويُمكن القول إنّ الأجهزة الرسميّة للدولة اللبنانيّة تمكّنت من إضعاف العديد من الجماعات المُسلّحة المُتشدّدة داخل "المخيّم"، عبر حرمانها من إستغلال مُذكرات التوقيف بحقّ هؤلاء الشبّان لتجنيدهم وتحريضهم و"غسل أدمغتهم"، تمهيدًا لدفعهم إلى القيام بعمليّات ضُدّ الجيش اللبناني وضُدّ مصالح اللبنانيّين كافة. وصبّت خطوة توقيف الفلسطيني عماد ياسين، المعروف بأمير داعش داخل مخيّم "عين الحلوة" في السياق عينه، حيث أنّها هدفت إلى إضعاف هذا التنظيم الإرهابي عبر توجيه "ضربة إلى رأسه"، قبل تمدّده في أزقّة "المخيّم" مُستفيدًا من الدعم المالي الكبير الذي يتمتّع به. وكان قرار الجيش اللبناني حاسمًا بعدم السماح لتنظيم "داعش" الإرهابي بإستمالة المزيد من الشبّان "الإسلاميّين" المُوزّعين على جماعات مُسلّحة مختلفة، مثل "عصبة الأنصار" و"جند الشام" و"فتح الإسلام" و"كتائب عبد الله عزّام"، وحركة "أنصار الله"، و"الشباب المُسلم"، و"الحركة الإسلاميّة المُجاهدة" السلفيّة، وغيرها. وليس سرًّا أنّ مديريّة الإستخبارات تتعامل مع جهات داخل المخيّم متضرّرة من تمدّد "الحالة الإسلاميّة"، ومتخوّفة من بدء ظهور "نواة" لتنظيم "داعش" فيه، على حساب تراجع نفوذها وهيبتها. وبعد عمليّة مُتابعة إستخباريّة دقيقة لتحرّكات ياسين، إضافة إلى الإستفادة من إعترافات بعض الموقوفين الجُدد، جرى توقيفه عن طريق مُباغته لحظة مروره سيرًا على الأقدام في منطقة جغرافية مكشوفة تقع جغرافيًا بين حيّ التعمير وحيّ الطوارئ. وأخلت الوحدة الأمنيّة التي نفّذت الإعتقال المنطقة بشكل سريع، وتوجّهت إلى خارج المخيّم عبر طريق جرى تحديده مُسبقًا، بالتنسيق مع قوى فلسطينيّة فاعلة داخل المُخيّم. ويُمكن القول إنّ الجيش يُواصل إعتماد سياسة "الحماية الإستباقية" عبر التنسيق مع القوى الفلسطينيّة المُصنّفة "مُعتدلة" داخل المخيّم، لتسليم المطلوبين أو للإيقاع بهم، الأمر الذي يصبّ في نهاية المطاف في صالح مختلف الأفرقاء، باعتبار أنّ الكثير من القوى الفلسطينيّة داخل "عين الحلوة"، وفي طليعتها حركة "فتح"، تعمل جاهدة على عدم تسبّب "المُغرّر بهم" من أبناء المخيّم، بجرّ كل "عين الحلوة" إلى مُواجهة مع الجيش اللبناني. وهي بالتالي، مُستعدّة للمخاطرة في مساعدة القوى الأمنيّة على توقيف المطلوبين، على ترك الأمور تنجرف تدريجًا نحو مُواجهة دمويّة كاملة تنتهي بتدمير المخيّم وبتهجير أبنائه من جديد، علمًا أنّ حركة "فتح" مُمتعضة جدًا من عمليات التصفية والقتل المنهجي التي تُنفّذها جماعات مُتشدّدة داخله. والجيش من جهته مُصرّ على عدم تحويل "عين الحلوة" إلى قاعدة آمنة تمامًا لرسم المخطّطات الإرهابيّة الرامية إلى ضرب الإستقرار اللبناني، وإلى موقع لجذب مُختلف المُتشدّدين المُغرّر بهم من الفلسطينيّين وبعض اللبنانيّين إلى حُضن تنظيم "داعش" وغيره من الحركات الإرهابيّة. وليس صحيحًا أنّ توقيت العمليّة هو لافتعال توتّر أمني كبير، تمهيدًا لتغطية قرار التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، بل جاء نتيجة مُعطيات أمنيّة دقيقة، وبفعل فرصة سانحة جرى إستغلالها بدقّة وفعاليّة.

من جهة أخرى، ومن بين الإرتدادات الإيجابيّة المُحتملة لعمليّة إعتقال ياسين، إحتمال إعادة تحريك قضيّة العسكريّين المُعتقلين لدى تنظيم "داعش" في جرود القلمون، مع تزايد عدد المُعتقلين من "داعش" لدى القوى الأمنيّة اللبنانيّة، والذين يُمكن مُبادلتهم بعودة العسكريّين المُختطفين إلى الحريّة.

في المُقابل، وفي الوقت الذي تُحاول جماعات فلسطينيّة مختلفة مُتضرّرة من إجراءات الجيش في محيط "المخيّم"، ومن إعتقاله لأفرادها تارة عبر التعهّد بمحاكمة سريعة وعادلة وطورًا عبر عمليّات أمنيّة إستخباريّة مُحكمة، تفجير الوضع الأمني برمّته، عبر إستهداف حواجز الجيش ومراكزه القريبة من "عين الحلوة"، على أمل فتح معركة شاملة يُصبح فيها الجيش في مُواجهة كل الفلسطينيّين داخل المخيّم، تجهد حركة "فتح" لمنع ذلك. كما تعمل "القوى الإسلاميّة" في المخيّم على إحتواء الموقف، لأنّها تعلم أنّ أيّ معركة ستُفتح مع الجيش اللبناني، ستكون مُدمّرة على المخيّم وعلى أبنائه. وبالتالي، بحسب التوقّعات، إنّ الردّ على العمليّة النوعيّة للجيش اللبناني سيكون محصورًا في المكان والزمان، خاصة في ظلّ عزم الجيش على التعامل بقوّة وحزم مع أيّ إستهداف لمواقعه ولعسكريّيه. وبالتالي، لن تسمح القوى الفلسطينيّة داخل "عين الحلوّة" بأن تجرّ أي جماعة مُسلّحة "المخيّم" برمّته إلى مواجهة شاملة مع الجيش. ولا شكّ أنّ أنصار ياسين سيُحاولون مُواصلة ما كان يُخطّط له قبل إعتقاله من عمليّات إرهابيّة تستهدف الجيش اللبناني والإستقرار الداخلي في لبنان، لكنّ قُدرتهم محدودة وهي تقتصر على إمكان تدبير تفجير هنا أو عمليّة إرهابيّة هناك، علمًا أنّ المعركة الإستخباريّة مفتوحة معهم.