على ما يبدو لن تمر "الفتوى" التي أصدرها "المجلس الشرعي" في حركة "​أحرار الشام​" لقتال تنظيم "داعش" الإرهابي، بالتنسيق مع الجيش التركي، مرور الكرام في صفوف الحركة، حيث سارع عدد من القيادات فيها إلى إعلان إستقالتها، في مؤشر إلى إرتفاع مستوى "التوتر" بين جناحي "أحرار الشام": "السياسي" الراغب بالإستفادة من الوقائع الجديدة على الساحتين الإقليمية والدولية، و"الجهادي" الذي لا يبتعد كثيراً عن توجهات تنظيم "القاعدة"، بالإضافة إلى إعلان "لواء أشداء" بقيادة أبو حمزة الكردي العامل في مدينة حلب إنفصاله عن الحركة.

في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة على أوضاع الحركة، لـ"النشرة"، إلى أن بوادر هذا الخلاف كانت قد ظهرت قبل الإعلان عن "الفتوى" الأخيرة بشكل رسمي، حيث توضح أن القضية بدأت عند نشر عضو "المجلس الشرعي" أيمن هاروش الموقف الجديد من "الحكومة المؤقتة"، المنبثقة عن "الائتلاف الوطني المعارض"، ومن التنسيق مع الجيش التركي، حيث سارع كل من أبو شعيب المصري إلى الإعتراض عليها، معتبراً أنها "تفريط"، ومنبهاً إلى أن خطر "التفريط" أشد من خطر "الإفراط"، ومن ثم بادر أبو اليقظان المصري، وهو من أبرز مسؤولي الحركة في حلب، إلى إنتقاد "الفتوى"، مشيراً إلى أنها "شخصية" لا تمثل "أحرار الشام"، إلا أن المفاجأة كانت بصدور بيان رسمي بتبنيها من "المجلس الشرعي".

وتلفت هذه المصادر إلى أن كلاً من "أبو شعيب" و"أبو اليقظان" يمثلان الجناح "المتشدد" في الحركة، وهي ليست المرة الأولى التي يبادران إلى إنتقاد مواقف رسمية صادرة عن "أحرار الشام"، لا سيما تلك الصادرة عن الجناح السياسي بقيادة لبيب النحاس، لكن على ما يبدو لم يكن من خيار أمامهما اليوم إلا الإعلان عن "الإستقالة"، التي سارعت بعض الأوساط المقربة من الحركة إلى الحديث عن أنها "إقالة"، كانت القيادة قد إتخذتها مسبقاً بسبب مواقف الرجلين، مقللة من أهميتها على المسار التي تنتهجه "أحرار الشام" في المرحلة الراهنة، إلا أن المصادر المطلعة تؤكد أن الأمور لن تتوقف عند هذا الحد، وتضيف: "مروحة الإنشقاقات لن تتوقف عند الرجلين، خصوصاً أن بيان "لواء أشداء" وصف "الفتاوى" بـ"الإنحراف" عن النهج".

وفي حين عمد أحد مؤسسي الحركة خالد أبو أنس، إلى التأكيد أن "أحرار الشام" لا تقف عند أسماء ولا تنحني أمام العواصف، وتتحدى كل من يكيد لها ولنهجها الذي أحبه الناس، كان لافتاً إعلان عضو "المجلس الشرعي" عبد الرزاق المهدي الإنسحاب منه، بسبب كثرة الطعن والتهديد بقتله، مع العلم أن مستشار رئيس الجناح السياسي في الحركة "إياد شعار"، المعروف بلقب "أبو الحسن المهاجر"، قد أشار مؤخراً إلى أننا "كإسلاميين يجب أن نفهم بأننا لا نملك القدرة على حكم البلد بأنفسنا ويجب أن نتشارك مع الشعب المسلم"، ما يدل على أن القضية لا تنحصر بـ"الفتوى" المذكورة بل تشمل رؤية الحركة الشاملة بالنسبة إلى مستقبل الأزمة السورية.

إنطلاقاً من ذلك، تعيد المصادر نفسها التأكيد بأن ما حصل يمثل إنتصاراً للجناح السياسي في الحركة على الجناح الآخر، ولا تستبعد أن يكون تسارع الخطوات جاء بناء على طلبات من القوى الإقليمية الداعمة لـ"أحرار الشام"، خصوصاً أنها عكست تراجع حظوظ خطوة "الإندماج" مع جبهة "​فتح الشام​"، مقابل السعي إلى تشكيل كيان سياسي وعسكري مع فصائل "​الجيش السوري​ الحر"، وتضيف: "حكماً لا تستطيع جبهة "النصرة" الذهاب إلى خطوات مماثلة، لأنها ستكون بمثابة الضربة القاضية لها، لا سيّما أنها حتى الساعة لم تنجح بالخروج بشكل كامل من خلافات إعلان "فك الإرتباط" عن القاعدة".

على هذا الصعيد، كانت لافتة حملة الترحيب بقرارات "الإستقالة" أو "الإقالة" من قبل شخصيات سوريّة معارضة، إعتبرت ان ما حصل خطوة تصب في صالح "الحركة"، لا سيما أنها تساهم في طرد "الغلاة" من صفوفها، لكن المصادر المطلعة تطرح علامات الإستفهام حول تداعيات ما حصل على الساحة العسكرية، وحول إحتمال أن تقود "الإنشقاقات" إلى ما هو أخطر منها، وتشير إلى أن "أحرار الشام" أثبتت أنها تريد الذهاب نحو الخيار السياسي، في حين أن فصائل أخرى متحالفة معها لا تزال بعيدة عنه، أبرزها "النصرة" و"جند الأقصى" المصنفان إرهابيان.

في المحصلة، تقف "أحرار الشام" اليوم أمام مرحلة مفصلية، تعيد فيها مراجعة حساباتها، بعد أن أدركت أن غالبيّة القوى الإقليمية والدولية بدأت تعدّ العدّة نحو الذهاب نحو طاولة المفاوضات السياسية، ولكن هل تنجح في تجاوز هذا "القطوع"؟