تصدَّر توقيف أمير «داعش» في لبنان ​عماد ياسين​ (47 عاماً) بعملية نوعية نفذتها وحدة خاصة من مديرية المخابرات في ​الجيش اللبناني​، الاهتمامات السياسية والأمنية في لبنان، وحتى خارجه، نظراً إلى أهمية «الصيد الثمين»).

هذه العملية الناجحة التي قامت بها مخابرات الجيش تعتبر نوعية وجديدة بكافة تفاصيلها، خاصة أنه تمّ توقيف أخطر الارهابيين على الساحة اللبنانية، بعملية ببصمة الجيش اللبناني ودمغة لبنانية صرف 100%.

وقد احتاجت العملية وفق معلومات لـ»اللـواء» إلى فترة من الرصد والمتابعة، التي تولتها وحدة النخبة من مخابرات الجيش لأسابيع عدّة، بعد متابعة لفترة طويلة وتجميع (بنك معلومات) هام عن الهدف.

وهذه العملية الجديدة للجيش تثبت أن قائده العماد ​جان قهوجي​ لم يكن يلتفت إلى القصف السياسي الذي يطاله، والمؤسسة العسكرية، أو تمديداً، إيماناً منه بالعمل المؤسساتي في الركن الأساسي والرئيسي للأمن في لبنان.

ويؤكد أهمية عدم الشغور في أي موقع قيادي في هذه المؤسسة، لأن من يقدّم حياته وحياة ضباط ورتباء وعناصر الجيش والقوى الأمنية، يستحق تقديراً وثناءً، وليس استهدافاً سياسياً بمختلف أنواع الأسلحة، توازياً مع مخططات التفجير و»القنابل الموقوتة» التي تزرعها الخلايا الإرهابية وشبكات التجسس الإسرائيلية، والتي نجحت الأجهزة الأمنية بالقيام بخطوات استباقية أفشلت العديد من هذه المخططات، وتمكنت من توقيف العديد من المنفذين والمخططين في وقت قياسي.

لم يكن عماد ياسين هدفاً سهلاً، بل تمّ تحديد أفضل وأنجع السُبل لتوقيفه وسوقه إلى العدالة، وهو ما تمّ في لحظة دقيقة وحساسة تمر بها البلاد، بما في ذلك المخيمات الفلسطينية، وفي مقدمها مخيم عين الحلوة، وقبل نجاح مخطط التفجير الذي كان يستهدف مراكز الجيش اللبناني، ومؤسسات سياحية، ومنشآت وأسواق تجارية، ومناطق مكتظة بالسكان، ويهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار، وأيضاً إلى تأجيج الفتنة المذهبية والمناطقية، بما في ذلك داخل المخيمات الفلسطينية.

هكذا أوقف ياسين

وقد استحوذت المعلومات والتفاصيل التي انفردت «اللـواء» بنشرها في عدد أمس، (الجمعة) على الاهتمام، نظراً إلى دقتها، خاصة لجهة رصد وتوقيف ياسين، من خلال استخدام دكان يقع في منطقة تعمير عين الحلوة مقابل الزاروب الذي يستخدمه ياسين لدى خروجه من منزله إلى الشارع الممتد بين حاجز الجيش اللبناني عند «مستشفى صيدا الحكومي» والشارع التحتاني، الواقع ضمنه «مسجد زين العابدين بن علي»، الذي يتردد على أداء الصلاة فيه، حيث تبين من خلال عمليات الرصد أنه يخرج مع مرافقين، وأحياناً دونهم، وهو ما كان في لحظة توقيفه، حيث قام أفراد الوحدة الخاصة في مديرية المخابرات، بالخروج من الدكان لأمتار قليلة، وفي لحظات خاطفة، تمّ إلقاء القبض على ياسين وتقييده واعتقاله قبل استخدامه لسلاحه الذي كان إلى جانبه، وهو من نوع كلوك (9 ملم).

وخلافاً لما جرى تداوله من قبل البعض، أكدت مصادر لـ»اللـواء» أن وحدة الجيش لم تطلق أية رصاصة لا بإتجاه إحدى قدمي ياسين، أو خلال توقيفه، وتمّ إخراجه من الباب الخلفي للدكان، الذي يؤدي إلى المنطقة الخاضعة لسلطة الجيش، ومن ثم نقله سريعاً في موكب إلى مديرية مخابرات الجيش في اليرزة، حيث بوشرت التحقيقات معه بإشراف القضاء المختص.

وكشفت المصادر أن لحظة توقيف ياسين كان بحوزته هاتفه الشخصي الذي يحتوي «بنك معلومات» من أسماء وأرقام يتواصل معها، فضلاً عن صور هامة، ما أعطى دليلاً يقطع الشك باليقين حين تمت مواجهته بهذه الأدلة، إضافة إلى الكم الكبير من المعلومات التي بحوزة مديرية مخابرات الجيش، إذ أدلى بإعترافات خطيرة تتعدّى المخطط والأهداف التي كان سيتم استهدافها، ما أُُفشل منها سابقاً، أو ما كان يُحضّر لاحقاً، فضلاً عن أسماء الخلايا النائمة المنتشرة في المناطق اللبنانية، بما في ذلك مخيم عين الحلوة، حيث باشرت مديرية المخابرات خطوات سريعة لتعقب أفراد الخلايا المتواجدين خارج المخيمات بهدف توقيفهم قبل مغادرة البلاد، وأيضاً توثيق المعلومات عن معاونيه بمخيم عين الحلوة ومن يتواصل معه في الرقة من قيادة «داعش»، والوسطاء في بعض الملفات، وهو ما سيفتح مروحة واسعة من المعلومات التي يدلي بها تباعاً.

بموازاة تنفيذ العملية الأمنية، كان الجيش اللبناني يتخذ خطوات احترازية في محيط مخيم عين الحلوة بوضع وحداته في حالة استنفار، ووصول تعزيزات إضافية إلى محيط المخيم، مع توجيه رسالة حاسمة بعدم السماح لمن يحاول الاعتداء على الجيش، أو حماية الإرهابيين، وأن من يسعى إلى ذلك سيكون هدفاً للجيش دون هوادة.

وكان في جهوزية بأعلى مستوياتها في محيط المخيم وفي أجوائه، حيث حلقت طائرة استطلاع من دون طيّار، وهي من المرات القليلة جداً التي يتم فيها ذلك.

وعملت القوى الفلسطينية الوطنية والإسلامية، التي كانت على تواصل دائم مع رئيس فرع مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب العميد الركن خضر حمود على منع من يحاول توتير الأجواء في مخيم الطوارئ بعد إلقاء قنبلة صوتية في منطقة الطوارئ باتجاه مدينة صيدا، في ظل الشائعات التي كان يتم تناقلها عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن خطف أحد جنود الجيش اللبناني.

وتكمن أهمية توقيف أمير «داعش»، الذي تتشعب مهامه من (التجنيد، والتخطيط والتنفيذ) أنها «ضربة قاصمة» إلى التنظيم الإرهابي، وإفشال مخططاته بتجنيب البلاد والعباد كوارث كان مخططاً لها، بطلب ومساعدة من قبل منظمات إرهابية خارج لبنان.

هذا العمل النوعي الذي يُسجل لمديرية المخابرات، يمكن أن يُعيد تحريك ملف مخطوفي الجيش اللبناني التسعة لدى «داعش (منذ 2 آب 2014).

ويطرح تساؤلات عن من سيخلف ياسين في إمارة «داعش» في لبنان، وهو ما سيتضح خلال الفترة المقبلة، وإن كانت احتمالات الكتمان على إسم الخلف واردة؟!

والأهم أن توقيت العملية النوعية ونجاح توقيف ياسين سيعطي زخماً لإعادة مواصلة تسليم المطلوبين أنفسهم إلى الجيش اللبناني لإنهاء ملفاتهم، بعد التأكد من أن الجيش سيلاحق كل من يخل بالأمن وأينما كان، بعدما بدأت تُبث شائعات كان يمكن أن تؤدي إلى بث الرعب في نفوس من يريد تسليم نفسه، خاصة بعد مقتل سيمون طه، الاثنين الماضي، والذي ساعد الكثيرين على إنهاء ملفاتهم، بينهم نجل قائد «كتائب عبد الله عزام» توفيق طه، محمّد وعبد الله.

وأمس عاش المخيم يوماً طبيعياً في ظل إصرار القوى الفلسطينية على مواصلة الضبط والأمن عند مداخله، ومنع من يحاول توتير الأجواء في المخيم، أو الاحتكاك والإساءة للجيش اللبناني، حيث يستمر التنسيق بين الجيش والقوى الفلسطينية.

العماد قهوجي

في غضون ذلك، نوّه قائد الجيش العماد جان قهوجي بـ»العملية النوعية الدقيقة والاحترافية التي نفذتها قوة من مديرية المخابرات يوم أمس، وأدت إلى توقيف أمير «داعش» في مخيم عين الحلوة، ما جنب البلاد تفجيرات دموية كان الموقوف مع شبكة تابعة له بصدد تنفيذها في العديد من المناطق اللبنانية».

وتفقّد العماد قهوجي، اللواء اللوجستي في كفرشيما، حيث جال في مديرياته وأقسامه، واطلع على سير العمل في مشاغله، ثم اجتمع بالضباط والعسكريين وزودهم التوجيهات اللازمة.

وأثنى قائد الجيش على جهود اللواء اللوجستي «للحفاظ على صلاحية الأعتدة والأسلحة المتوافرة لدى الجيش وتأمين الاستثمار الأقصى لها»، مشدداً على «أهمية التكامل بين الجهوزية اللوجستية والإدارية للوحدات العسكرية، وضرورة مواكبة المساعدات التي يتسلمها الجيش تباعا بالتدريب والصيانة اللازمتين».

وختم العماد قهوجي مؤكداً أن «الأوضاع الأمنية تحت السيطرة، وأن الجيش لديه كامل القدرة على مواجهة الإرهاب، وحماية الاستقرار الوطني بمعزل عن الظروف المحيطة بالوطن».

وفي السياق، استقبل العماد قهوجي في مكتبه باليرزة قبل ظهر أمس، وفداً من المجلس الأورثوذكسي برئاسة روبير أبيض، الذي أشاد بالجهود التي تبذلها المؤسسة العسكرية في مكافحة الارهاب والحفاظ على مسيرة الأمن والاستقرار في البلاد.