تيار «المستقبل» من الداخل غيره من الخارج. بالنسبة إلى أهل البيت الأزرق، لا تبدو المعادلات بالسهولة التي يحلو للخصوم وضعها. ليس «انتهاء» سعد الحريري ما يهدّد بـ«إنهاء» التيار، ولا ثنائية فؤاد السنيورة ــ نهاد المشنوق ما تتحكّم بخناقه، ولا الخشية من أشرف ريفي... «ولا الأمور على هذا القدر من السوء»، بحسب مطلعين على شؤون المستقبل وشجونه.

الاختلاف في وجهات النظر موجود، وهو أصلاً أوضح من أن يحاول أحد نفيه. لكنه ليس خلافاً وفق التقسيم «التقليدي»: صقور ضد حمائم. فَهمُ الخلاف ــ وهو على الاستراتيجيات ــ ربما يقود إلى قلب الحمائم صقوراً، والصقور حمائمَ... قد يكون السنيورة أكثرها «وداعة»!

في رأي المصادر، الخلاف محكوم بالسقف الحريري، إذ «لا يزال سعد الحريري هو الأقوى» في التيار والطائفة ومؤسساتها التمثيلية الكبرى. لا أحد ينفي أن الرجل يواجه صعوبات جمّة، وخصوصاً مالية. يزيد من وطأتها توازن الصراع بين «الأميرين المحمدين»، بن نايف وبن سلمان، وعدم قدرة السعوديين على التغاضي عن السوء الذي تحكّم بإدارة «سعودي أوجيه»، وأورث الرياض أزمة اجتماعية لم تعتدها سابقاً طاولت عشرات آلاف العمال. لكن، رغم ذلك، «من المبالغة نعي زعامته وتوزيع تركته السياسية ومحاولة خلع العباءة السعودية عن كتفيه».

من الخارج، تبدو «الحرب» في «المستقبل» مستعرة بين «متحمسين» لميشال عون ضد «مشجّعين» لسليمان فرنجية. إلا أنها، بحسب المطلعين أنفسهم، معركة بين جناحين: رعاة استمرار سياسة انتظار تغيّر الظروف الدولية والإقليمية؛ ودعاة تحديد الخيارات والسير في المناسب منها، سواء كان تأييد ترشيح عون للرئاسة، أو الذهاب الى المواجهة، بكل ما تحمله من معاني الانسحاب من الحكومة والحوارات الجماعية والثنائية، والخروج من تحت سيف التهديد بمؤتمر تأسيسي «لأنهم لن يجدوا سنيّاً واحداً مستعداً للمشاركة فيه». فـ«الميثاقية» شعار بإمكان كل طائفة أن ترفعه في وجه غيرها.

ولأن الميثاقية بالميثاقية تُذكر، يبدو من المبالغ فيه تصوير أن في تيار المستقبل «مُغرمين» بجنرال الرابية مستعدون لخوض حرب من أجل إيصاله الى قصر بعبدا. حتى من يُتهمون بأنهم برتقاليّو التيار الأزرق ويقرّون بالصفة التمثيلية المسيحية لعون، يرون أن هناك مسيرة طويلة على عماد التيار الوطني الحرّ خوضها. وإلا، «كيف تقنع شارعاً سنياً برئيس بنى تاريخه السياسي على مقولة تحالف الأقليات، والعداء للطائف، وإدانة كل مرحلة رفيق الحريري، وإقالة سعد الحريري، واستحالة إبراء السنيورة؟». أما التهدئة الآنية حيال الحريري، فـ«مجرد شكليات. رئاسة الجمهورية تحتاج الى تغيير الصورة كلها». باختصار، «المطلوب من عون أولاً مصالحة فعلية مع السنّة، بدل التلهي بالشائعات الكبيرة عن إشارات سعودية، إيجابية تارة وسلبية طوراً. فليس اختراعاً القول إن الكلمة الفصل في موضوع حسّاس، كرئاسة الجمهورية، تأتي من الرياض... لكن هذه الأخيرة، لا ضوء هذه الأيام يشير الى لبنان على شاشات راداراتها».

وعليه، لتيار «المستقبل» أسبابه الموضوعية ــ قبل السعودية ــ في الموقف من ترشيح العماد عون. كما للرئيس نبيه برّي أسبابه الموضوعية أيضاً: كيف يريد عون من مجلس نواب يصفه بأنه غير شرعي أن ينتخبه؟ لذلك، فإن رمي الكرة في ملعب حزب الله لإقناع رئيس المجلس بتأييد ترشيح حليف حليفه «ليس ضرباً من ضروب الرذالة السياسية، لكنه نتيجة طبيعية لما آل إليه حوار عين التينة الثنائي الذي تحوّل ثلاثياً. إلا إذا كان مطلوباً من نادر الحريري ونهاد المشنوق وسمير الجسر العمل مع موفدي الحزب الى الحوار على إقناع علي حسن خليل بالقبول بترشيح عون»!

هل يعني ذلك أن انتخابات الرئاسة مؤجلة حتى إشعار آخر؟

في رأي المصادر، لا ينبغي على اللبنانيين انتظار «دوحة 2» وما رافقها من شياطين، أولاً لأن الدوحة الأولى جاءت بعد عمل عسكري لا يمكن أن يتكرر، وثانياً لأن أحداً في الخارج لا يضع لبنان في سلم أولوياته. وحده الواقع الاقتصادي والمالي الضاغط قد يعطي مؤشراً للدول الكبرى على احتمالات خطر أزمة اجتماعية على اللبنانيين والسوريين، وقد يدفعها إلى الضغط قبل نهاية السنة للتوصل الى تفاهمات وطنية وملء الفراغ الرئاسي. فمظلة الاستقرار الدولية فوق لبنان عمادها الأساسي اليوم وجود النازحين واستقرارهم الاجتماعي.