أكد الوزير السابق ​زياد بارود​ أن " الخصومة المفترضة بين المجتمع المدني والسلطة هي بسبب أداء هذه الأخيرة لأنها أمعنت طوال سنوات في الشرخ وأمعنت في التفرّد، وجعلت من المواطنين زبائن في حلقة فساد هائلة وخدمات لقاء الولاء لها. وبالتالي، من الصعب فعلا تصوّر دخول ناشطين من المجتمع المدني دائرة السلطة بهذا المعنى"، مشيراً الى أنه "في اعتقادي إن دخولي وزارة الداخلية بغير مذكرة جلب أو إحضار كان نتيجة أمرين: حاجة اللحظة السياسية يومها وظروفها بعد اتفاق الدوحة إلى وزير داخلية يقبل به جانبي النزاع، ويقبلان بتوليه إدارة الانتخابات بصورة حيادية، والأمر الثاني كان ما راكمْته من تجارب على مدى سنوات في الجمعية اللبنانية لديمقراطية الانتخابات وفي هيئة قانون الانتخاب ومحطات أخرى، فتقاطع الأمران وعززتهما رغبة الرئيس السابق ميشال سليمان بمنحي ثقته، موافقة سائر القوى السياسية. لا أكثر ولا أقل.

وفي مقابلة مع مجلسة "تواصل مدني"، أوضح بارود انه "منذ اللحظة التي توليتُ فيها الداخلية، لم يعد يحقّ لي أن أدّعي الانتماء إلى المجتمع المدني. أولا لأن المجتمع المدني لم يكلّفني بالمهمة، وبالتالي لا يجوز أن أدّعي تمثيله، وثانيا لأن المجتمع المدني لا يمكن أن يكون جزءا من السلطة وإلا انحرف عن دوره. ولكن هذا لا يعني أنني تخليتُ عن علاقتي العضوية معه أو عمّا دافعت وناضلتُ من أجله ضمنه، بل حاولتُ أن أنقل همومه ومطالبه من دون أن أدّعي تمثيله. كثيرة هي المواضيع التي نقلتها معي إلى الداخلية، أذكر منها شطب القيد الطائفي وإدخال الحملة المدنية للإصلاح الانتخابي إلى أروقة الوزارة والتعاون مع جمعيات مختلفة في أكثر من مجال والاستعانة بالمتطوّعين".

ولفت الى أنه "ليس لي ثمة إنجازات في وزارة الداخلية، الإنجاز هو أن تقوم بأمر خارج المألوف وفائق التميّز. ما قمتُ به كان فقط واجبي والحد الأدنى المطلوب. غريب كيف يصفق الناس لمسؤول لا يقوم إلا بواجبه فتُرفع له اليافطات لا لأمرٍ إلا لأنه أعطى الناس حقهم على الدولة"، معرباً عن رفضه الكلام عن "إنجازات ولا بدّ لنا من وقف التبخير لمن يقوم بما عليه أصلا. طبعا ثمة أمور أعتزُّ بأنني قمتُ بها وحققتُها كحق التصريح أو عدم التصريح عن القيد الطائفي بمواكبةٍ من المركز المدني ومطالبة مزمنة من كثيرين على رأسهم السيد طلال الحسيني. أعتز أيضا بإجراء الانتخابات النيابية عام في يوم واحد وبإدارة جيدة وشفافة للانتخابات مع فريق عمل نشيط وفعّال، مع تسجيل أسفي لشق الإنفاق المالي في القانون الذي لا بدّ من تعديله ورفع السريّة المصرفية عن كلّ حسابات المرشح".

وأوضح بارود ان مشروع قانون البلديات أقر في مجلس الوزراء بعد خمس جلسات طويلة خُصّصت له، وقد تم إحداث خرق مهم برأيي يتمثّل بالنسبيّة وبأمور إصلاحية أخرى. المشروع اليوم في المجلس النيابي وقد يُبنى عليه في المستقبل، معتبراً أن "أهم الايجابيات أن الانتخابات حصلت في موعدها في زمن التمديد الرديء ولا سلبيات في إجرائها. وحسناً فعلت وزارة الداخلية والحكومة بالإصرار على الانتخابات. تداول السلطة إيجابي وكذلك تجديد الثقة بالمنتخبين أو حجبها عنهم. طبعا يبقى القانون بحاجة إلى تطوير لاسيما لجهة اعتماد النسبيّة التي ستتيح مشاركةً أوسع. ما رأيناه في مناطق عدّة، بما فيها بيروت، يدلّ على وجود عناصر شابّة ومجتمع مدني حيّ في البلديات لا بدّ من إعطائهم فرصة لا يتيحها النظام الأكثري".

وأشار الى ان "التمديد لمجلس النواب تمديد مخجل ومخزي ولا شيء يبرّره. وإذا كان رأيي فرديا، فماذا عن المجلس الدستوري الذي، على رغم من ردّه الطعن في تشرين الثاني ، إلا أن تعليله واضح لجهة قوله بعدم دستورية التمديد؟ وللتذكير، فإن قرار المجلس الدستوري قال بكل وضوح بضرورة إجراء الانتخابات النيابية فور زوال "الظروف الاستثنائية" وقد زالت بمجرد نجاح إجراء الانتخابات البلدية".

ولفت بارود الى أن "ما انتهت إليه الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخابات النيابية في أيار كان نتيجة مناقشات وتوافق بين أعضاء الهيئة. شخصياً كنت وما زلت من محبّذي النسبيّة الكاملة، وقد أعددتُ مع فريق العمل في الوزارة عام ، مشروعا متكاملا يعتمد النسبيّة في دائرة لم يُكتب له أن يناقش في ظل اللحظة السياسية آنذاك. أما المختلط فيمكن أن يشكّل تسوية بالمعنى الإيجابي فيجمع، كما قال أحد الباحثين، "أفضل ما في العالمين"، معتبراً أنه "من غير المقبول التشكيك دائما في إتمام الاستحقاقات في مواعدها، خصوصا أنها ليست فعلا في موعدها بعد تمديدين طويلين. نعم يجب أن تجري الانتخابات قبل حزيران وبقانون جديد، وهذا أمر ممكن حتى الآن إذا صفت النوايا. أما إذا تخطّينا آخر السنة الحالية على أبعد تقدير فنكون دخلنا دائرة الخطر، ويكون القانون / المعروف بقانون الستّين هو، بكل أسف، الساري المفعول. بكل أسف".

وعن الحراك المدني الذي نشأ على خلفية أزمة النفايات، لفت الى أنه " منذ اللحظات الأولى، دعوت الجميع إلى ترك الساحة للناشطين من دون أي استغلال من السياسيين "منّي وجُرّ"، لقناعتي بضرورة إعطاء حيّزٍ لهذا التحرّك اللاطائفي الذي جمع اللبنانيين واللبنانيات حول مشتركات. واكبت التحرك الشعبي بدعم غير ملتبس مع نأي بالنفس عن أي استغلال له"، مؤكداً أن "التحرّك كسر هذه الحماية المطلقة وجعلها نسبيّة. لم تعد الزبائنيّة بالفعاليّة ذاتها، وقد فرض التحرّك تغييرا جوهريا في طريقة تعاطي أهل السلطة مع الناس وقضاياهم. ثمّة شيء تغيّر. وأجزم أن الطبقة السياسية كانت في حالة قلق كبير في الأيام الأولى للتحرّك الذي أربك استقرارها. لكن عامل الوقت كان للأسف لصالح السلطة".

ورأى بارود ان تحالف أصحاب المصالح المشتركة من أهل السلطة، وقدرتهم على إحداث الفوضى والتخوين واستنفاذ عامل الوقت من جهة، والحاجة ضمن التحرّك لخارطة طريق لم يكن الوقت متاحا للاتفاق عليها وتنفيذها، من جهة أخرى هو الأمر الذي حال دون تحقيق أهداف الحراك في كل محطاته.

ورأى ان السلطة السياسية لم تصل الى حال من الضعف ويكفي النظر إلى كيفية إدارتهم ملف قانون الانتخاب ومدى ممانعتهم مجتمعين لأي خرقٍ على هذا المستوى. لا شراكة من جانب السلطة إلا بالاضطرار والضغط. لن يُشركوا أحدا من خارج النادي إلا قسرا وجبرا، مشيراً الى انه "من قال إن الحق ليس علينا؟ ضحايا الفساد باتوا يعانون من ظاهرة "ستوكهولم" واتّسعت دائرة الفساد ودخلت انتخابات مندوبي الصفوف في المدارس الابتدائية! فبات الموضوع للأسف ثقافيا. أضف إلى ذلك الإضعاف الشديد والمقصود للهيئات الرقابية. التحرّك الشعبي يحتاج إلى تنظيم ومنهجيّة ونفس طويل. مثلا: تحرّك "بدنا نحاسب" يستحقّ الثناء لأنه استمرّ يضغط ويطرح الصوت عاليا".

وأوضح بارود ان "أهمية النسبية أنها لا تلغي تمثيل أحد ولا تضخّم تمثيل أحد. أهميتها أنها تحمي الأقليّات السياسية قبل الطائفيّة من التهميش. أهميتها أنها أفضل وسائل إدارة التنوّع بكل أشكاله. لكنها وحدها لا تستطيع أن تصلح النظام السياسي. هي وسيلة وليست غاية. إصلاح النظام ورشة كبيرة جزء منها دستوري وآخر إداري، ولا ننسى أن الإصلاح مناخ والإصلاح إصلاحيين صادقين"،

وحول اقتراح المطران غريغوار حداد، أشار الى أنه "صوتٌ صارخٌ في البريّة"، لافتاً الى أنه "ثمة محطّات يمكن أن تأخذنا إلى العلمانية عن طريق الدولة المدنيّة. هل أنشئ مجلس الشيوخ الذي قال به اتفاق الطائف؟ هل اعتمدنا قانونا انتخابيا لا يزكّي الكلام الطائفي على خلفيّة الاستهداف والتهميش؟ المسار طويل والمطلوب خارطة طريق ومجموعات منظّمة لديها رؤيا ونفس طويل".