طبيعية جداً هي عودة الرئيس ​سعد الحريري​ الى بلده. فإذا كانت ظروف مختلفة إقتضت منه ترحالاً بين مدة وأخرى، فمن الطبيعي أن يعود الى حيث يجب أن يكون بين أصدقائه وأنصاره ومحبيه وعلى رأس حزبه.

ومع ذلك فإنّ هذه العودة تأخذ أهمية قصوى وبعداً استثنائياً هذه المرّة لاعتبارات عديدة أبرزها الإستحقاق الرئاسي.

إنّ سلسلة قضايا جذرية تطرح ذاتها بقوة على الساحة اللبنانية تبدو كلها مجمّدة لا تلقى حلاً، بدءاً بتعذر ملء الفراغ الرئاسي وصولاً الى النفايات التي تتفاقم أضرارها على الصعدان كافة: الصحي منها والبيئي والمادي وخصوصاً على صعيد سمعة لبنان الدولية... وما بين الرئاسة والنفايات من مجلس نيابي معطل وحكومة مشلولة، وإدارة ينخرها الفساد، وقضاء يعاني ما يعانيه وما يعاني منه المواطن... الى التعيينات المشوبة بألف قصة وحكاية في الأسلاك الأمنية والديبلوماسية وفي القضاء، كما في الإدارة العامة... أما الفساد فيأكل مع اللبنانيين في الصحن (...) وحدث ولا حرج عن السلبيات والمشكلات والأزمات التي يمكن تعدادها من دون توقف لأيام، بما لا تستوعبه مجلدات.

هل يعني هذا الكلام أنّ غياب الرئيس سعد الحريري أوصل البلد الى هذا الدرك، أو أن عودته يجب أن تتوصل بالضرورة الى حلول، حتى إذا لم تكن تلك الحلول فيتحمّل الشيخ سعد المسؤولية؟

لا... على الإطلاق... إنما هذه العودة في الظروف الموضوعية المعروفة، ما يتعلق منها بالرئيس الحريري شخصياً، أو بالآخرين عموماً، تجعل من حضوره ضرورة وطنية ملحّة إذ من شأنها أولاً بأول أن تضبط الوضع داخل تيار المستقبل. وهذا في حد ذاته أمر مهم في هذا الوقت المفصلي. كما أنها ستكون عاملاً مؤثراً إن لم يكن حاسماً في بت الكثير من الأقوال والأقاويل التي تتناول العلاقة بين الرئيسين سعد الحريري وميشال عون، وبين تياري المستقبل والوطني الحر... فتضع حداً لهذا السيل المتمادي من التصريحات خصوصاً في تيار المستقبل، وكلها ينسب قوله الى الشيخ سعد الذي لسنا نملك معلومات أكيدة ولا حتى مشكوكاً فيها في ما إذا كان ما يقوله هذا النائب أو ذاك المسؤول أو ذلك القيادي قد صدر بعدما إستمع قائله الى سعد الحريري أو ان الأخير أذن له بقوله...

ركزنا على هذه النقطة في مجال كلامنا على أهمية عودة الرئيس سعد الحريري لأننا نأمل منه أن يحسم موقفه بما يضع حداً نهائياً وقاطعاً للإجتهادات التي يتبرّع بها البعض هنا وهناك... كما يأمل اللبنانيون أن يكون قرار رئيس الحكومة الأسبق حاسماً لجهة ضرورة (بل وحتمية) إنجاز موقف تاريخي، تترتب عليه سلسلة مبادرات وخطوات تستفيد من السانحة التاريخية لتعيد النسغ الى أغصان الشجرة اللبنانية شبه اليابسة التي تتجه الى حال كارثية إذا لم تصدر مبادرات كبرى ليس أفضل من سعد الحريري من يبادر الى إتخاذها... وبالتالي تكون مدخلاً الى إنقاذ يسحب لبنان من أشداق الإنهيار المتمثل حراجة في الإقتصاد، وهجرة في الشباب، وتعطيلاً في الحياة العامّة وانحداراً الى الهاوية (...).

نقول إنها الفرصة السانحة لأننا نرى أنّ القوى الإقليمية والدولية المعرقلة قد استنفدت قدراتها وبلغت سقف العرقلة، وليس لديها من مزيد...

ولا شك في أن الشيخ سعد يدرك بداهة وواقعاً أن أنظار اللبنانيين كلهم شاخصة اليه، تنتظر خطواته... وأن الكثيرين يضعون أيديهم على قلوبهم خشية أي عرقلة لقرار تاريخي.