تتركّز الأنظار هذه الليلة على المناظرة الأولى التي ستجمع هيلاري كلينتون ودونالد ترامب في سباقهما الى البيت الأبيض.المناظرة التي يتوقّع لها أن تسجّل عدداً قياسياً من المشاهدين، ستستمرّ لتسعين دقيقة وستحصل وقائعها في جامعة «هوفسترا» قرب العاصمة المالية للعالم، نيويورك.

صحيح أنّ الإنتخابات الرئاسية الاميركية تحظى في العادة باهتمام دولي نظراً إلى التأثير الاميركي على مسار السياسات والمصالح الدولية، لكنّ المعركة الحالية تبدو محطّ اهتمام متزايد خصوصاً لشعوب الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا نظراً إلى الأوضاع القائمة والصراع المدمّر في سوريا والحرب على الإرهاب، أضف الى ذلك شخصية وبرامج المرشحين.

إنّها المرة الأولى منذ بدء اعتماد المناظرات التلفزيونية في ستينات القرن الماضي، تكون هناك امرأة مرشّحة لدخول البيت الابيض، كما أنّها المرة الأولى أيضاً التي يكون فيها الطرف الثاني مرشّحاً غير كلاسيكي مثيراً للجدل إزاء مواقفه التي تبدو صادمة ومتهوّرة أحياناً.

وقد تلعب هذه الميزة لصالح ترامب، كون الأميركيون ينظرون الى الطرف الأفضل في المناظرة على أساس نجاحه في إقامة رابط عاطفي معه أكثر منه وفق برنامجه وأبعاده السياسية.

ويقول ألان شرودر أحد الأخصائيّين في شؤون الانتخابات الرئاسية الاميركية والذي يلقي محاضرات في جامعة بوسطن إنّ ترامب نجح وخلال فترة قياسية في إقناع الناخب الاميركي البسيط وغير المسيَّس بنظرة مختلفة حول نظرته للمشاكل المطروحة، وذلك بخرقه كلّ الأصول والأعراف المتّبعة بما فيها رفض نصائح فريق عمله بالتحضير جيداً للمناظرة عبر الانزواء لبضعة أيام والتخطيط لكيفية خوض مواجهته الأولى مع كلينتون.

ذلك أنّها المرة الأولى التي سيلتقي فيها المرشحان وجهاً لوجه. ترامب يتّكل على عفويّته وهو ما دفعه إلى رفض أيّ تحضير مسبَق لمناظرته، فيما تتميّز كلينتون بخبرتها ومعرفتها بالملفات وهو ما دفعها للانكباب طوال الاسبوع الماضي على تحضير نفسها من دون إغفال أيّ تفصيل. وبلغت بذلك حدّ الاستعانة بخبراء في علم النفس لدرس طبيعة شخصية غريمها وكيفية التعامل معها. باختصار إنها مواجهة بين «الصناعة» و«العفويّة»، والحكم يبقى للناس.

صحيح أنّ استطلاعات الرأي تعطي أرقاماً متقاربة مع تفوّق بسيط لصالح كلينتون، لكنّ الحقيقة أيضاً أنّ شريحة لا بأس بها من الناخبين وغير الملتزمين حزبياً لم تحسم قرارها حتى الآن، لذلك تبدو المناظرة مهمة جداً.

بالنسبة إلى الشرق الأوسط، بدا أنّ الفريقين أولياه اهتماماً خاصاً في برنامجهما الإنتخابي لما له من تأثير على الناخب اليهودي وهو المؤثر، إضافة الى الجاليات العربية والإسلامية التي بات يُحسب لها حساب.

وقد أورد العديد من مراكز الدراسات رؤية كلا المرشحين لواقع الشرق الأوسط مثل معهد الشرق الأوسط ومعهد الدراسات الاستراتيجية الدولية ومركز صبّان ومعهد واشنطن، إضافة الى آخرين.

أولاً: بالنسبة إلى مبادرة السلام الإسرائيلية - الفلسطينية، فقد اختصرت كلينتون موقفها بالكلام الذي أدلت به أمام منظمة «ايباك» اليهودية في 21 آذار الماضي حين أعلنت عن قناعتها بأنّ حلّ الدولتين أصبح ضرورة ملحّة وأنّ ما يُسهّل حصوله تقاطع المصالح الأمنية الوجودية التي تربط بين إسرائيل والدول العربية.

أما ترامب فأعلن في المؤتمر نفسه أنّ أيّ اتفاق سلام مفروض من الأمم المتحدة هو بحدّ ذاته يتعارض مع المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية وأنّ الحلّ بنظره هو في أن تتولّى الولايات المتحدة الاميركية المبادرة باقتراح جريء يطالب إسرائيل بتقديم بعض التنازلات (وهو ما يُفهم منه الشق المتعلق بالمستوطنات) لقاء اتفاق تاريخي مع الفلسطينيين تفصّله بلاده وتتولّى ضمانته.

ثانياً: بالنسبة إلى الاتفاق النووي مع إيران، فإنّ كلينتون تبدو متمسّكة بالنقطتين اللتين كانت قد أعلنتهما في مركز صبّان للدراسات وهما:

- لن اتردّد في استخدام القوة إذا باشرت إيران ببرنامج نووي لأغراض عسكرية.

- للولايات المتحدة الاميركية مصلحة استراتيجية في إقناع إيران بالتزام بنود الاتفاق والسلم العالمي كما استقرار الشرق الأوسط من خلال الاستفادة من تطبيق الاتفاق. وهي قالت في مؤتمر «ايباك» إنها لن تسمح بأيّ جموح إيراني للتوسّع ناتج عن نشوة الاتفاق النووي.

أما ترامب فأعلن في مؤتمر «ايباك» أنه سيعمل لإلغاء الاتفاق النووي الذي وصفه بالاتفاق الكارثي للولايات المتحدة الاميركية ولإسرائيل على السواء، إضافة إلى ما اعتبره خطأ إعادة 150 مليار دولار الى إيران والأثر السلبي الذي سينتج عن ذلك.

لكنّ المراقبين يعتقدون أنّ كلام ترامب هنا هو للاستهلاك الانتخابي بدليل أنّ قيادة الحزب الجمهوري ومختلف المفاصل القيادية المؤثرة في الحزب وافقت على الاتفاق، ولولا هذه الموافقة لما حظيَ الاتفاق بالغالبية في مجلسَي النواب والشيوخ.

ثالثاً: حول الحرب الدائرة في سوريا حيث تؤيّد كلينتون اقامة منطقة حظر جويّ تساعد على إبقاء اللاجئين في بلدهم، وهي بطرحها هذا تدغدغ الرأي العام الاوروبي القلق من النزوح السوري الحاصل وحيث إنّ الرأي العام الاميركي يهمّه كثيراً استقرار أوروبا وأمنها.

كذلك فإنّ المرشحة الديموقراطية تتمسّك بتفعيل محادثات بلادها مع روسيا لتحقيق وقف إطلاق نارٍ فعلي وإنتاج هدنة ما يؤسّس لعملية سلمية قادرة على حلّ المشاكل الخطيرة الناجمة من الصراع الدائر. وهي قالت حرفياً: «الجميع بات منهَكاً وحتى ديبلوماسيّتنا أصبحت منهَكة».

اما المرشح الجمهوري فاعتبر أنّ الرئيس بشار الأسد هو افضل من «داعش»، وأضاف في موقفه الصادم: «من السذاجة محاربة الأسد قبل «داعش»، وليبيا أفضل مثال على هكذا سياسات خاطئة». ويطالب ترامب بتنسيق أوضح مع روسيا بخصوص سوريا.

رابعاً: حول الحرب على الإرهاب، فإنّ كلينتون تؤيّد توجّهات الرئيس باراك أوباما، فيما ترامب يدعو إلى إعطاء دور عملاني في هذا الإطار لمصر والأردن. قد يكون لافتاً أنّ لبنان غاب بشكل لافت عن الحملات الانتخابية باستثناء بعض الإشارات ضدّ «حزب الله» ودوره.

صحيح أنّ البرامج الانتخابية تبقى غايتها استقطاب المقترعين لكنها تعكس في بعض جوانبها الخطوط العريضة للتوجّهات السياسية.