حققت العملية النوعية لـ"مجموعة النخبة" في مخابرات ​الجيش اللبناني​ في حي "الطوارئ" في ​مخيم عين الحلوة​ واعتقال أمير تنظيم "داعش" الارهابي ​عماد ياسي​ن، نجاحا لافتا، في خضم الاخفاقات السياسية اللبنانية المتتالية، والخوف من فرط عقد ما تبقى من مؤسسات دستورية في ظل الفراغ الرئاسي والشلل الحكومي وغياب التشريع النيابي والتهديد بالنزول الى الشارع، فقطعت الطريق على تنفيذ عمليات ارهابية محتملة بعد المعلومات عن التحضير لها، ما جنّب لبنان خضة كبرى وبركة من الدماء.

العملية النوعية، تعتبر الاولى من نوعها للقوى الامنية الرسمية في مخيم فلسطيني منذ عقود طويلة، فهل تفرض واقعا جديدا في كيفية التعامل مع المطلوبين من "المجموعات الاسلامية المتشددة"، على قاعدة "الامن الوقائي الاستباقي"، مقابل عجز القوى الفلسطينية الوطنية والاسلامية عن القاء القبض على أي منهم وتسليمهم الى السلطات اللبنانية، بعدما شكلت رسالة عسكرية حاسمة مؤداها بأن "من غير المسموح المساس بأمن واستقرار لبنان بعد اليوم، وان يد القوى الامنية طويلة في القاء القبض على المطلوبين مهما اختلفت انتماءاتهم وتعددت ارقامهم، ولو بعد حين"؟

في هذا السياق، تؤكد مصادر فلسطينية لـ "النشرة"، ان هذه العملية النوعية لجهة دقة التخطيط ونجاح التنفيذ دون اراقة دماء، سترخي بظلالها على "المجموعات الاسلامية المتشددة" في عين الحلوة اكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان لمراجعة حساباتها بعدما تلقت "ضربة" موجعة ووجدت نفسها غير قادرة على الردّ امام "الضغط الداخلي" و"التهديد الخارجي" الذي تعرضت له، والاهم عدم تكافؤ المواجهة، وهي في الوقت نفسه غير موحدة في الموقف بعد حل "تجمع الشباب المسلم".

وتشير المصادر الى ان الجيش لم يكتف بتنفيذ العملية بنجاح فائق، بل واكبها بخطوات سريعة ورادعة لجهة استقدام المزيد من التعزيزات العسكرية وتشديد الاجراءات وتسيير الدوريات في محيط المخيم و​مدينة صيدا​، مع رسالة حاسمة ابلغها مدير فرع مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب العميد الركن خضر حمود الذي التقى في ثكنة محمد زغيب العسكرية-صيدا وفدا قياديا فلسطينيا بان الجيش سيتعامل التطورات في المخيم ومحيطه بـ"قبضة من حديد" حتى اشعار آخر، مشخصا الواقع بأنه "مثل المريض الذي ادخل الى غرفة "العناية الفائقة" وقد يتعرض لانتكاسة في اي لحظة، في اشارة الى احتمال القيام "مجموعات اسلامية" متشددة او اشخاص منها بردة فعل انتقامية.

في ميزان القوى، فان عملية إعتقال ياسين، جعلت "القوى الاسلامية" رغم حرصها على ضبط الوضع في منطقة الطوارئ ومنع اي ردة فعل، في موقفٍ حَرِج، فانقسمت الى ثلاث فئات، الاولى وابرزها "عصبة الانصار الاسلامية" و"​الحركة الاسلامية المجاهدة​" التي التزمت الصمت في محاولة للنأي بالنفس داخليا وخارجيا، علمًا أنّ العصبة اتُهِمت بأنّها مشاركة في العملية وما كانت لتتم لولا الموافقة عليها وفق "صفقة بيع راسه" وفق بيان وزع على مواقع التواصل الاجتماعي باسم "انصار عماد ياسين"، في حين وجدت "الحركة الاسلامية المجاهدة" نفسها في الواجهة ومعنية بضبط الوضع الامني في منطقة الطوارىء ميدانيا ومعالجة تداعياتها بحكمة وروية قبل تظهير موقفها النهائي واستيعاب ما جرى.

أما الفئة الثانية، فتمثلت بمجموعة من الناشطين الاسلاميين ما زالوا "مصدومين" من العملية، فاعادوا ترتيب اوضاعهم الامنية وسد الثغرات وكشف الخروقات التي تراوحت بين مراجعة الكاميرات في المنطقة وتوقيف بعض الاشخاص لبعض الوقت للتحقيق معهم، لتبقى فئة ثالثة بدت غاضبة وهي قلة، لكنها وجدت نفسها غير قادرة على الرد نتيجة الرسائل والضغوط والخوف من الدخول في المجهول وسط قناعة انها لن تغيّر من الواقع شيئا بل قد تفقد الملاذ الأخير لها لتخبىء رأسها، بينما لم تجد القوى الفلسطينية الوطنية الاخرى حرجا في التخلص من عبء كبير، كان يثقل كاهل المخيم وقواه السياسية والامنية.

خلاصة القول، ان اعتقال ياسين، وجريمة إغتيال ​سيمون طه​ الاخيرة والاشتباك المحدود الذي حصل بعدها بين مجموعة الاسلامي المتشدد بلال بدر وعناصر محسوبة على حركة "فتح"، والتي انتهت كالعادة بلا غالب ولا مغلوب، ابقت المخيم داخليا محكوما بمعادلة "الامن بالتراضي"، يترنح بين "الاستقرار الهش" وبين عدم الانفجار الكبير، وسط مطالبة بكشف القتلة دون تسويف وتمييع، ووضع القوة الامنية الفلسطينية المشتركة مجددا تحت دائرة الضوء والاهتمام، خاصة بعدما طلب قائدها اللواء منير المقدح "اعادة هيكليتها بحيث يشارك الجميع في تشكيل القوة التنفيذية"، حيث علم ان "الموضوع سيناقش في "اجتماع القيادة السياسية الموحدة قريبا".